للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة الزكاة]

الأمانة الثالثة التي بينك وبين الله: الزكاة: الزكاة أمانة، ولا أحد يعلم أن لديك مال أم لا، بإمكانك أن تقول: ما عندي شيء عندنا زكاة أخرجناها أو ما عندنا أصلاً نصاب، ولكن الله استودعك واستأمنك على هذا المال، وجعل يدك هي العليا، وأعطاك (١٠٠%) وطلب منك (٢.

٥ %) سبحان الله! هذا فضل أم ليس بفضل؟!! لو أن شخصاً دعاك وقال: تعال.

أنا أعطيك مليون ريال، لكن أريد في كل سنة أن تخرج لي من هذا المليون خمسة وعشرين ألفاً، ماذا تقول له؟ تقول: جزاك الله خيراً، ولو تريد أن أخرج لك نصفه فسوف أخرجه، وهو صاحب الفضل، فسبحان الله! الله يعطيك هذا المليون ويطلب منك (٢.

٥ %) ولا تخرجها؟! وقد يقول شخص من الناس: هذا المال مالي.

كلا.

ليس مالك، من أين أتيت به حين جئت من بطن أمك؟ هل كان معك مال؟ كلا.

خُلِقت ضعيفاً والله أعطاك المال، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨] فما الذي غرك؟ {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:٩٤] المال مال الله، ليس لديك أنت شيء.

يوجد أناس مثلك وعشرة أمثالك، بل آلاف من الناس أقوى منك جسماً وليس عندهم مال، وأكبر منك عقلاً وليس عندهم مال، وأكثر منك تفكيراً وليس عندهم مال، والله أعطاك المال، لماذا؟ ابتلاء، وليس محبة؛ بعض الناس يعطيه الله المال ابتلاء، الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، ولهذا اعتبرها سليمان عليه السلام بلاء عندما قال: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:٤٠].

فالمال لا يأتي بقوة الذكاء والجسم، فأنت الآن ترى -مثلاً- صاحب العمارة عند موقف (الإسمنت) يشتري شاحنة (إسمنت) ويأتي بها وفيها أربعة أو ثلاثة عمال ينزلونها، ينزلون الكيس مثلاً (بنصف ريال) كأنه آلة أو (ماكينة) ينزل (الإسمنت) في نصف ساعة ويمشي، فلو أعطيت صاحب العمارة هذا (مائة ألف) وقلت له: أنزل (الإسمنت) هذه الشاحنة، ينزلها؟! أعطه مليوناً، ينزلها؟! ما يستطيع ينزلها؛ لأن ظهره سينكسر، ماذا يفعل بالمليون وقد انكسر ظهره؟! قد يتشجع ويقول: والله مليون آخذه، ويستعد ويأتي ويعصب رأسه، وينزل كيساً وكيسين وثلاثة وأربعة عشرة انكسر ظهره، ويقول: والله لا أقدر لو يعطوني الدنيا كلها.

وذاك نزلها (بنصف ريال).

نعم.

فهل المال يأتي بالقوة؟ لو كان يأتي بالقوة لكان الحمال هو صاحب المال، هل المال بالذكاء؟ أبداً.

تذكر كتب العلم: أن رجلاً حكيماً ذكياً عالماً لكنه مبتلى بالفقر، كان يعيش وما عنده حذاء، واستطاع خلال فترة أن يعمل أعمالاً بسيطة حتى جمع له درهمين، وهبط إلى السوق لشراء نعل، وبينما هو يمشي إذا برجل يلحقه ومعه أربعون حماراً، وتراه يحدها ويردها ويسوقها فسأله: إلى أين يا أخي؟! قال: أبيع الحمير هذه في السوق، الحمير كانت هي وسائل النقل الرئيسية، مثل السيارات الآن، قال: وهذه كلها لك؟ -فالذي عنده حمار في تلك الأيام مثل الذي عنده سيارة هذه الأيام- قال: نعم.

قال: طيب.

اركب على واحد منها، قال: عندي مشكلة، قال: ما هي؟ قال: إذا ركبت عليها صارت تسعة وثلاثين؛ لأنه إذا ركب يعدها وينسى الذي تحته، فيعد الذي أمامه، فتنقص وتصير تسعة وثلاثين فإذا نزل من عليها عدها وإذا هي أربعين، قال: فأنا أمشي وتصير زيادة وإذا ركبت تنقص، فتعجب هذا وقال: سبحان الله! أنا بعقلي وعلمي وحكمتي، لا أملك نعلاً في رجلي، وهذا مغفل لا يعرف كيف يعد حميره وعنده أربعين حماراً، فهل الرزق يأتي بالذكاء؟ لا.

فالله أعطاك المال، فالمال مال الله، لا تقل مالي، ولهذا يقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:٣٣] المال لله أصلاً؛ أعطاك (مائة ريال) وأوجب عليك (٢.

٥ %) وجعل هذا أمانة بينك وبينه؛ شيء سري لا يعلم به أحد، ولا يعلم أحد أنك أخرجت الزكاة أم منعتها إلا الله، فلا تبخل بها، ولا تخن أمانتك، فإن عدم إخراج الزكاة مصيبة من المصائب، وهو سمة من سمات النفاق {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:٧٥ - ٧٧].