للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيف تجعل من نفسك عدواً للشيطان

إن مقتضى العداوة مع الشيطان ما دُمْنا عرفنا هذا التاريخ الحافل بالمكر والدهاء، فلا نطيع الشيطان؛ لأنه عدوك هل تتصور أنه يدلك إلى الخير؟ إذا تصورت أن عدوك من الممكن أن يدلك إلى الخير أو يدعوك إلى الخير فأنت لا عقل لك أبداً؛ لأن هذا عدوك، والعدو يكيد المكائد، ويبرم الحبال، ويخطط لتدميرك، عدوٌّ هذا، كيف تتصور أنه يدلك على خير؟! فإذا اتخذت الشيطان صديقاً وهو عدو دمَّرَك، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:٥٠] كيف تتخذ الشيطان صديقاً واللهُ قد حذرك من عداوته؟! قد يقول قائل: متى اتخذتُه صديقاً؟! أنا لستُ صديقاً للشيطان! نقول له: المعيار في يدك، لتعلم أنك صديق للشيطان أو عدو له؛ فإذا أطعته فأنت صديقه، وإذا عصيته فأنت عدوه، وكيف تعرف هذا؟ تعرف أن أوامر الله هي مكاره الشيطان، ونواهي الله هي محاب الشيطان، أي: كل أمر لله عكسه نهي للشيطان، وكل نهي لله أمر للشيطان.

نهاك الله عن الزنا، والشيطان يأمر بالزنا ويأمر بالفحشاء.

نهاك الله عن الخمر والشيطان يأمرك به.

أمرك الله بالصلاة، والصلاة لا يريدها الشيطان.

أمرك الله بالقرآن، والقرآن لا يريده الشيطان.

أمرك الله بالجهاد، والشيطان لا يريد الجهاد.

إذاً: كل أمر لله إذا قمتَ به، وكل نهي لله إذا انتهيتَ عنه فاعلم أنك اتخذت الشيطان عدواً.

أما إذا ضيعت أوامر الله ووقعت فيما حرم الله، فاعلم أنك اتخذت الشيطان ولياً من دون الله؛ لأنك أطعته وعصيت الله: يأمرك الله فلا تطيعه، ويأمرك الشيطان فتطيعه! يأمرك الله بالقرآن فلا تسمعه، ويأمرك الشيطان بالأغاني فتسمعها! يأمرك الله بالصلاة فلا تقوم، ويأمرك الشيطان بالمنام فتنام! يأمرك الله بالبيع الحلال فلا ترضى به، ويأمرك الشيطان بالربا فترضى به.

يأمرك الله بالزواج فلا تتزوج، ويأمرك الشيطان بالزنا فتقع فيه.

هذه أوامر الله، وتلك أوامر الشيطان أين أنت؟ وفي أي ميدان أنت؟ هل أنت مع أوامر الله وعند نواهيه فلا تعمل شيئاً؟ إذاً: فأنت اتخذت الشيطان عدواًَ، وهذه سمة وكرامة لك أن تكون عدواً للشيطان.

أما إذا وقعت في الأخرى؛ أوامر الله ضيعتَها -أيها الإنسان- والنواهي وقعت فيها، فالبعيد صديق الشيطان وهو لا يدري، بل عبد للشيطان وهو لا يدري، يقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:٦٠].

إذاً مقتضى العداوة أن تجند نفسك لمحاربة الشيطان.

قد يقول قائل من الناس: وما أدراني أن الشيطان هو الذي يأمرني أو ينهاني؟! نعطيك مثالاً من الشرع، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن للملَك لَمَّة، وإن للشيطان لَمَّة -أي: إيعاز، أمر- فلَمَّة الشيطان إيعاز بالشر، وتوهين عن الخير -تضعيف وتخذيل- ولَمَّة الملك إيعاز بالخير، وتخذيل عن الشر) فأي إيحاء تشعر به في نفسك، وأن فيه معصية لله فإنه مِن الشيطان.

مثلاً: أذن المؤذن وأنت نائم على الفراش، فسمعتَ المؤذن، ولِمَن يؤذن المؤذن؟! للبقر، أم للحيوانات، أم للجبال؟! يؤذن لك: حي على الصلاة، أي: أنت يا مسلم قم فصلِّ، في تلك اللحظات يحصل صراع في داخل نفسك بين أن تقوم أو تنام، فإن نمت فهذا مِمَّن؟! مِن الشيطان، والقيام من الله.

فمع من أنت؟! فإن كنتَ قلتَ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واستعذت بالله، وقمت، فقد أعانك الله.

وإن قلتَ: لا يزال الوقت متسعاً، فقد أطعت الشيطان، وركب الشيطان على رقبتك، وقال: نَمْ، عليك ليل طويل، إلى أن تفوت الصلاة، فإذا فاتت الصلاة بال الشيطان في أذنك.

(سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عن رجل ينام الليل ولا يقوم لصلاة الفجر، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) وقس على هذا كل أوامر الله، أي شيء تريد أن تنفذه من أوامر الله، وتجد في نفسك تردداً عنه فاعلم أن الشيطان هو الذي ردَّدك، وأي شيء من المحرمات والمعاصي تجد في نفسك تشويقاً ودفعاً إليها فاعلم أنه من الشيطان.

إذاً ماذا تفعل؟! عامله بنقيض قصده: إذا خذَّلك عن الصلاة، قُمْ فصَلِّ.

إذا قال: لا تقرأ القرآن، اقرأ القرآن.

إذا قال: لا تذهب إلى حلقة العلم، اذهب إلى حلقة العلم.

إذا قال: لا تتصَدَّق، تصَدَّق.

إذا قال: لا تزُرْ الرحم، اذهب فزُر الرحم.

إذا قال: لا تأمُرْ ولا تَنْهَ، فمُرْ وانْهَ.

إذا قال: غَنِّ، لا تُغَنِّ.

فقط اجعل من نفسك عدواً للشيطان، حتى ييئس منك؛ لأنه إذا جرَّب معك المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، عرف أنك متحرر منه وضده، فيقول: هذا لا تتعبوا معه، فليس فيه حيلة.

أما بعض الناس فقد أصبح حماراً للشيطان يركب على غاربه، ويلعب به كما يلعب الطفل بالكرة، يأخذ به يميناً وشمالاً، لا يملك من أمره شيئاً، تقول له: هيا إلى المسجد.

يقول: والله لا أقدر أن آتي الآن.

لماذا؟! لأن الشيطان ركب على عاتقه.

لكن إذا قلت له: هيا إلى الملعب.

يقول لك: طيب! هيا.

أو قلت له: هيا إلى المنتزه وإلى التمشية والفيلم، أو هيا إلى أي شيء في طاعة الشيطان.

يقول لك: هيا.

أما الشيء الذي في طاعة الله، فلا! لماذا؟! لأن الشيطان يقوده من فوق رأسه، يلف به على الشمال دائماً، وإذا قيل له: لف يميناً.

قال: لا.

اليمين ليس جيداً.

هذا عبد للشيطان: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:٦٠].