للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مظاهر رحمة الله تعالى]

إنَّ رحمة الله عزَّ وجلَّ هي الأساس والأصل في تعامل الله عزَّ وجلَّ مع العباد، وهذه الرحمة لها مظاهر وصور، وما من لحظة من لحظات الحياة إلا وهي رحمة الله عزَّ وجلَّ ظاهرة فيها، بل لو تخلت عنك رحمة الله لحظة واحدة لهلكت.

تصور والله عزَّ وجلَّ يجري لك النفس الذي تستنشقه من الهواء، فيدخل إلى الرئتان، وتنقله الرئتين إلى القلب والدم، ويؤكسد الدم وينظفه ويصعد، لو حُبست عنك هذه اللحظات -أي: لو حبس النفس لحظة واحدة- ومنع الله منك رحمة الهواء، كيف تعيش؟! ولو سقطت قطرة من قطرات الماء التي تشربها ونزلت في البلعوم الخاص بالهواء، ماذا يحصل؟ تسمى: شَرْقَة، والشَّرْقَة هي: نزول الماء أو الغذاء في البلعوم، لأن في الرقبة قصبتين: الأولى: المريء، وهي قصبة من الفم إلى فم المعدة، وهذه القصبة فيها عضلة، فإذا دخلت اللقمة تضرب العضلة فيها، وتعصرها حتى تنزلها إلى تحت، وبعد ذلك تنطبق ولا تسمح بخروج شيء، ولهذا ترى الواحد إذا انتكس على رأسه يمارس الرياضة، لا ينزل الذي في بطنه؛ لأنها تُقْفَل؛ لكن من هنا مفتوحة، أي شيء ينزل ولا يصعد.

الثانية: بجانبها قصبة ثانية، اسمها: البلعوم، وهذه قصبة غضروفية مفتوحة باستمرار، وتوصل إلى الرئة.

وبين القصبتين -بين المريء وبين البلعوم- جندي واقف يسمح بمرور الطعام والهواء بالتناوب، تسمى عندنا في الجنوب: (الطُّرَّاعة)، وتُسمى في بعض الأماكن: (اللهاة)، واسمها في العلم: (لسان المزمار)، وهي لحمة موجودة، إذا تكلم الواحد سدت الفتحة الخاصة بالطعام؛ لأنه يتكلم بالهواء؛ وإذا أراد أن يأكل سدت الفتحة الخاصة بالهواء، فإذا تكلم وهو يأكل ماذا يصير؟ يصدر أمراً إلى هذه اللحمة أن افتحي هنا وافتحي هنا، فتدخل حبة أرز أو قطرة ماء في القصبة الخاصة بالهواء، فيحس الإنسان بشَرْقَة، هذه الشَّرْقَة كفيلة بأن تجعلك تموت، من يخرج الحبة من رئتك إذا دخلت؟! من ينزل قصبة تخرج القطرة التي نزلت إلى رئتك، رئتك لا تقبل قطرة ماء، ولا تقبل حبة أرز؛ لكن رحمة الله تدركك، فتصدر إشارات من المخ إلى الرئة أنه يوجد جسم غريب دخل، اطردوه، فتقوم الرئة تطلق صفارات الإنذار على الدفاع الداخلي ويحدث السعال، وإذا طُرِدَت النقطة قال: الحمد لله، كنت سأموت! وترى عينيه ترقرقت بالدمع، من أجل قطرة تموت؟ ما أضعفك! ما أحقرك أيها الإنسان! من أجل قطرة، لو أن الله ما طرد منك هذه القطرة لكنتَ متَّ؛ لكن رحمة الله عزَّ وجلَّ تدركك.

هذه الرحمة -أيها الإخوة- لها صور، ولها مظاهر كثيرة جداً، ولو تكلم عنها الإنسان ساعات طوال ما أدركها ولا أحاط بها؛ لكن سنتكلم عن بعضها، وعن أشملها وأظهرها: