للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرآن الكريم منة الله على الأمة]

يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١] لو خُوطب بهذا الكتاب الجبال الرواسي لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية الله، وأنت قلبك أقسى من الجبل، وأعظم صلابة من الجبال الشم الرواسي، تهجر القرآن وترفضه وتعرض عنه وتدير مؤشر المذياع منه إلى غيره، وقد ورد في بعض الآثار أن العبد إذا وقف في صلاته وصرف بصره أو قلبه عن الله قال الله: (أإلى خير مني) أي: أين تذهب بقلبك وأنت بين يدي؟ قال الله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:٢٩] {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢].

يقول الحارث الأعور -وقد خرج وسمع الناس يخوضون في حديث رواه الترمذي، والحديث فيه مقال ولكنه يستشهد به- قال: فحدثت علي بن أبي طالب فقال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم.

قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إنها ستكون فتنة، فقلت: فما المخرج منها يا رسول الله! قال: كتاب الله، فيه حكم ما بينكم، ونبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله، هو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن حكم به عدل، وهو الذي لا يشبع منه العلماء، ولا يبلى على كثرة الرد، ولا تلتبس به الألسن، وهو الذي ما سمعت به الجن حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: ١ - ٢]).

هذا الكتاب الكريم العظيم الذي يقول الله فيه مخاطباً عقول الناس، يقول: أو لم يكفهم يا محمد دلالةً عليك وعلى صدق رسالتك أنا أنزلنا عليهم الكتاب؟ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:٥١] أليس في هذا الكتاب دلالة واضحة كافية معجزة وباقية بقاء الليل والنهار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟!! هذا الكتاب العظيم يوم القيامة يتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشكوى، يشكو فيها من أعرض عن هذا الكتاب وهجره، ويقول كما قال الله عَزَّ وَجَلّ في سورة الفرقان: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:٣٠].

الله أكبر! كم هو عظيم يا أخي أن تكون يوم القيامة ممن يعزل ويصبح مما يشتكى به أمام الله، وأنك اتخذت كتاب الله مهجوراً، نور أنزله الله لك لتسير على هديه، كما قال الله عَزَّ وَجَلّ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:٥٢ - ٥٣].