أما القصة الثالثة التي تضمنتها سورة الكهف فهي: قصة ذي القرنين، وهي تفيد أن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الملك من قبل ومن بعد، وأنه يورث الأرض من يشاء من عباده، وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان لا في سبيل الكفر، وأن الله لا يزال يبعث من عباده بين آونة وأخرى من يقوم بإنجاء الضعفاء، وإهلاك الطغاة من الكفار والمشركين {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}[الكهف:٨٣ - ٨٤] مكن الله سبحانه وتعالى لذي القرنين في الأرض وجعله يحكم الأرض كلها؛ كان يأتي إلى مغرب الشمس وإلى مطلعها، وكان له ملك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
هذه القصص -أيها الإخوة- بدأت تعطي أثرها في الصحابة في قضية تهيئتهم وتجهيزهم لمفارقة مكة والخروج منها فراراً بدينهم، خصوصاً بعدما نزلت سورة الزمر وفيها قول الله عز وجل:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}[الزمر:١٠] ولما نزلت قال الصحابة: حسناً للذين أحسنوا بالإيمان لهم في هذه الدنيا حسنة، أين الحسنة التي للصحابة، وهم يعذبون، ويقتلون، ويضربون، ويسجنون، ويسحبون -كما سمعتم في الدرس الماضي- أين الحسنة؟ قال الله تعالى بعدها:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:١٠].