الفريق الثاني:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}[الانشقاق:١٠] لا يأخذه باليمين وإنما يأخذه مقلوباً؛ لأنه كان مقلوباً، كان يمشي للوراء، ولهذا ورد في الحديث في السنن:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواماً يوم القيامة يأتون إلى الحوض فتردهم الملائكة وتطردهم منه، يذادون كما تذاد الإبل من حوض الماء، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي! -يشفع فيهم الرسول ويقول: دعوهم يشربون هؤلاء مني- فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ إنهم لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرا) لا يسيرون إلى الأمام وإنما إلى الخلف، تجد أكثر الناس -والعياذ بالله- من الذين محقت بركة أعمارهم يتقدمون في الدنيا ويتأخرون في الدين، فلو أجريت لأحدهم مقايسة في أوضاعه المادية، والاجتماعية، والزوجية، تجده يسير إلى الأحسن، بعد سنة راتبه زاد، ورتبته ارتفعت، وأولاده كثروا، وسيارته جددها، وعمارته بناها، وفرشه غيره، كل شيء تغير في حياته إلى الأفضل، لكن اسأله في الدين تجده يرجع إلى الخلف إلا من هدى الله ممن هداهم الله وساروا إلى الأمام.
فهؤلاء الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً}[الانشقاق:١٠ - ١١] والدعاء بالثبور هو: أن يدعو الإنسان على نفسه بأن يثبره الله في كل مصير؛ لأن المصيبة ليست سهلة، أن يُقاد الإنسان إلى النار مصيبة ليس بعدها مصيبة:{وَيَصْلَى سَعِيراً}[الانشقاق:١٢] لماذا؟ قال الله:{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:١٣] كان مرتاحاً على الدوام، بعكس المؤمن ليس مسروراً في الدنيا بل حزين، يقول الله في المؤمنين أنهم يقولون:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] المؤمن في قلبه مثل النار من الخوف من الله، الناس يأكلون بكثرة وهو لا يأكل إلا قليلاً، وينامون بارتياح وهو في نومه غير مرتاح، ويتمتعون في الدنيا وقلبه في الآخرة، يعيش بمشاعره في الآخرة، ولذا كلما تذكر الآخرة شب في قلبه مثل النار {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] وأهل الإيمان لا يطمئنون ولا يرتاحون إلا إذا قيل لهم عند الموت: {يَا َيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[الفجر:٢٧ - ٢٨] هنا يقولون: الحمد لله نجحنا.
أما ذاك فمسرور {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً}[الانشقاق:١٣].