للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم حديث: (من سأل بوجه الله فهو ملعون)]

السؤال

ما مدى صحة حديث: (من سأل بوجه الله فهو ملعون، ومَن لَمْ يُجِبْ فهو ملعون)؟

الجواب

هذا الحديث حديث صحيح، والناس يتساهلون في هذا الأمر، فهو حديث صحيح رواه الطبراني، وذكره الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وورد في روايتين: رواية عن رفاعة، ورواية عن ابن مسعود رضي الله عنهما، رواية ابن مسعود حسنة، ورواية رفاعة صحيحة، ونص الحديث عند ابن مسعود: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون مَن لَمْ يُجِبْهُ إلا أن يَسأل فُحْشاً) والفُحْش: هو الشيء الغلط، أن تسأل شخصاً أكثر مما يستطيع، كأن تقول له وهو واقف على بئر: أسألك بوجه الله إلا نزلت البئر.

لا، لا يجوز الإرغام على النزول إلى البئر؛ لأن هذا مما لا يستطيعه، لكن الحديث الصحيح الذي عند الطبراني، وصححه عن رفاعة، قال: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون مَن لَمْ يُجِب) وفيه هنا محذوف، وتقديره: وهو يقدر، أي: إذا كان شيئاً بإمكانك فعله، وسئلت فيه بوجه الله، فالذي سأله ملعون، وأنت لا بد أن تجيب، وإلا كنتَ ملعوناً، ولهذا ما هو طريق السلامة؟ طريق السلامة: ألا تسأل بوجه الله إلا الجنة؛ لأن وجه الله عظيم يا إخواننا، كثير من الناس يقولون: عليك وجه الله أن تشرب القهوة، عليك وجه الله أن تقوم، عليك وجه الله أن تقعد، عليك وجه الله أن تخرج، لعبوا كثيراً بهذه الأيمان، لا تعرِّض وجه الله على شيء، وإذا أحدٌ عرَّض عليك وجه الله فالله يعينك، لا بد أن ترد إذا كان بإمكانك.

ويُذكر أن الخضر عليه السلام مرَّ على رجل فقير فقال له الفقير: أسألك بوجه الله أن تعطيني، وليس لدى الخضر شيء، فذهب إلى رجل، وباع نفسه عليه بثمن بخس، وقال: أنا رقيق آبق، أريد أن أبيع نفسي عليك، فأعطني شيئاً، فاشتراه منه، وأعطاه النقود، وأخذ النقود، وذهب بها وأعطاها الفقير، وأصبح رقيقاً، فكان رقيقاً عند رجل لديه أعمال كثيرة وصاحب سلطة وقهر على الأجراء والعمال عنده، فكان يكلفه كل يوم بتقطيع الجبال حجارة، ونقلها، فيعمل في اليوم الواحد ما تعجز عن عمله وحمله الرجال؛ لأن الله أعانه، فجاء الرجل في يوم من الأيام، وقد نحت جبلاًَ كاملاًَ، قَطَّعَه قِطْعة قِطْعة، فتعجب الرجل، وقال: هذا ليس من المعقول أن يكون شغل عامل واحد، لا بد أن هناك من يعينه، فقال له: أسألك بوجه الله إلا قلتَ لي من الذي صنع لك هذا العمل؟ قال: لا إله إلا الله! وقعتُ في الرق من أجل وجه الله، والآن تسألني بوجه الله؟ الذي أعانني هو الله عز وجل، قال: لماذا وقعتَ في الرق؟ فأخبره بالخبر، فأعتقه لوجه الله عز وجل، ورده حراً كما كان.

فلا ينبغي لك يا أخي المسلم أن تسأل بوجه الله شيئاً مهما كانت الظروف.

السائل: هل (أسألك بوجه الله) مثل (أسألك بالله)؟ الشيخ: لا.

فالحديث صريح: (ملعونٌ من سأل بوجه الله) لأن الله عز وجل يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:١]، أي: الذي تساءلون بالله عز وجل به، فقد تسأل وتقول: أسأل بالله، هل مرَّ بك هذا؟ وذلك مثلما فعل الصحابي الذي كان في طريقه إلى المدينة، وبعد أن جاءه من السماء الرجل الذي أنجده، وقال له: أسأل بالله، أمَلَكٌ أنت، أم من الإنس، أم من الجن؟! فقال: أنا من سكان السماء الرابعة.

والقصة ذكرها صاحب حياة الصحابة الشيخ محمد يوسف، وهي لـ أبي مَغْلَق رضي الله عنه، وهي في السنن أيضاً، وكمال القصة: أن الصحابي كان في طريقه من مكة إلى المدينة مهاجراً، فمرَّ في طريقه على رجل من قُطاع الطريق، قال له: إلى أين؟ قال: إلى المدينة، قال: هل أدلك على طريق أقصر وأقرب؟ قال: نعم.

فأخذه، ولما أخرجه من الطريق، أخذ سيفه وأراد قتله، قال: لِمَ؟ قال: أريد قتلك.

قال: خذ فرسي، وخذ ما معي من المال، واعتقني لوجه الله.

قال: لا، انظر إلى العظام، وإذا بحوالي عشرين جثة، كلهم عظامهم قد بَلِيَت -وهذا قاطع طريق، يأخذ الرجل ويقتله- قال: أعزمتَ؟ قال: نعم.

قال: دعني أصلي ركعتين.

قال: صلِّ ما بدا لك، فتوضأ وصلى ركعتين، فلما كان بعد الانتهاء من السلام دعا ورفع يديه، وقال: يا غفور، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعَّال لِما تريد، أغثني أغثني أغثني، فما أكمل الكلمة الثالثة إلا وذلك الفارس يخرج من غبرة الأرض، وفي يده الرمح، ويأتي ويضرب هذا الرجل بالرمح في صدره، ليخرج من ظهره وهو يلمع، فقال له الصحابي: أسألك بالله، من أين أنت؟ من أنتَ؟ أمِن الجن، أم من الإنس فقد أغاثني الله بك؟ قال: إن سألتني فأنا من سكان السماء الرابعة، دعوتَ بدعوتك الأولى، ففُتحت أبواب السماء، ودعوتَ بدعوتك الثانية، فسُمع لأبوابها قعقعة، أي: كل مصاريعها تفتحت، وهي دعوة المظلوم، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢]، ودعوتَ بدعوتك الثالثة فسألتُ الله أن يجعل شرف إغاثتك على يدي، فأذن لي ثم بعد ذلك اختفى ومضى، فركب الصحابي هذا حصانه، ورجع إلى طريقه وسافر.

فلا شيء إن شاء الله بالنسبة للسؤال بالله؛ لكن السؤال بوجه الله هو المحظور.