للجنة -أيها الإخوة- ثمانية أبواب، وسعة هذه الأبواب ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً -وهذا الأمل يفتح لها قلوبنا إن شاء الله، ونسأل الله أن نكون من المزاحمين على هذه الأبواب- المسافة بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً يقول في الحديث:(وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام) اللهم اجعلنا ممن يزاحم على هذا الباب يا رب العالمين! يا أخي! يا أيها الملتزم! يا أيها المستقيم! لا تتصور أنك أنت المستقيم لوحدك، فهناك ملايين البشر ساروا في طريق الله، فلست لوحدك بل معك ملايين من البشر، فاسلك سبيل الصالحين ولا تغتر بقلة السالكين، واحذر طريق الهالكين ولا تنخدع بكثرة الهالكين، فإن العبرة بمن نجا، كيف نجا وليست العبرة بمن هلك كيف هلك؛ لأن دواعي الهلكة كثيرة، أما دواعي النجاة قليلة، والناس من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى جهنم وواحد إلى الجنة، جاء في الحديث الصحيح:(يقول الله: يا آدم! قال: لبيك ربِ وسعديك، قال: أخرج بعث الجنة من بعث النار، قال: ربِ! وكم بعث الجنة؟ قال: من كل ألف واحد، وتسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم) فمتى تأتي هل في المائة الأولى أم المائة الثانية أم الثالثة أم الرابعة؟ لا إله إلا الله! باب من هذه الأبواب الثمانية، مخصص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقية الأبواب لسائر الأمم ويشارك فيها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم باب خاص لا يدخل فيه شخص من الأمم الثانية، لكن أمة محمد يدخلون من هذا الباب ويدخلون من الأبواب كلها، وهذا من فضل الله على هذه الأمة.
وهذه الأبواب كل منها مخصص لعمل خاص، ففيها باب للصائمين يسمى باب الريان، وفيها باب للمصلين يسمى باب الصلاة، وفيها باب للمتصدقين يسمى باب الصدقة، وفيها باب للبارين بوالديهم يسمى باب البررة، يعني: إنسان ليس عنده كثير عمل صالح لكنه بار بوالديه، فيدخله الله الجنة من هذا الباب، وآخر متخصص في الصدقة، لا يصلي كثيراً، يصلي الفرائض فقط، لكن يده تبذل بالصدقة والخير، فيدخل من باب الصدقة، وآخر متخصص في الصلاة، يصوم الفريضة ويتصدق بالفريضة ولكن في الصلاة لا تراه إلا مصلياً، فيدخل من باب الصلاة، وآخر متخصص في الصيام، يصلي الفريضة ولا يستطيع أن ينفق فلا يملك مالاً، لكنه دائماً يصوم فيدخل من باب الصائمين، وشخص متخصص في الحج لا تفوته حجة، بينما لا يقوم الليل، ولا يكثر من صيام النوافل، ولا يتصدق كثيراً، لكن إذا جاء الحج شد رحله وحج، وهذا يدخل من باب الحج ومن باب العمرة.
ومن الناس من يدخل من كل الأبواب، أي نعم.
وهذا قليل في الأمة، ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً منهم وهو: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان يسبق في كل باب، إن جئت إلى باب الصدقة وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الجهاد وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الصلاة وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الصيام وإذا به الأول، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(يا رسول الله! أعلى أحد أن يدعى من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم.
وأنت منهم يا أبا بكر!) وهذا شرف كبير -يا أخي- أن تكون لك خيارات عديدة، فلا تقول: أنا والله متخصص في الصلاة، بل افرض أن الصلاة لم تقبل منك، وإذا بك ضائع، لا.
تخصص في الصلاة وتخصص في الصيام، وأكثر من الحج، وأكثر من ذكر الله، وأكثر من الدعوة إلى الله، وسابق في كل خير، والله تبارك وتعالى يقول:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦].
روى مسلم وأصحاب السنن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح في صحيح مسلم، حديث عظيم وفضله كبير جداً، والعمل فيه بسيط-: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) ما أعظم هذا الفضل! وورد في رواية أخرى ليست في الصحيح، وهي في السنن:(اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).