للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة طعام أهل النار وشرابهم]

ماذا يأكل أهل النار؟ لا إله إلا الله!! العذاب من كل شيء، يقول الله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:١٧].

أما الطعام فقد ذكر الله أنه الزقوم والضريع، يقول الله عز وجل: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ} [الدخان:٤٣ - ٤٥] أول الأمر ينشف في الحلق، فإذا نشف لا يطلع ولا يخرج وهو نار، فيتذكر أنه كان يجيز الغصة بالماء، قال الله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] فيدخل الماء الحار مع الزقوم، فإذا جاء هنا قال الله عز وجل: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٥ - ٤٦] مثلما يغلي الماء -والعياذ بالله- وبعدها يقول الله عز وجل: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:٦٢ - ٦٣] فتنة أي: عذاباً {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٤].

وتصوروا شجرة تنبت في النار كيف تكون؟! المعروف أن النار تحرق الشجر، لكن هذه ضد النار، بل تنبت في أصل النار: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٦٤] {طَلْعُهَا} [الصافات:٦٥] ثمرها وفاكهتها كيف؟ قال: {كَأَنَّهُ رُءوُسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:٦٥] قال المفسرون: وكيف تكون رءوس الشياطين؟ هل يعرف أحد رأس الشيطان؟ لا.

لكن قالوا: على سبيل التمثيل، فإن أسوأ صورة وأسوأ شكل هو رأس الشيطان، هل تتصور أن رأس الشيطان جميل؟ لا.

رأس الشيطان قبيح ومنظره كريه، وطلع الشجرة مثل رءوس الشياطين، قال الله عز وجل: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا} [الصافات:٦٦] من هذه الشجرة: الزقوم.

وبعدها لن يأكل لقمة وانتهى الأمر، بل يأكل حتى يشبع، فهو لا يريد أن يأكل، لكنه مجبر عليه، فإذا جاء الطعام إليه وهو لا يريده أجبر على الأكل منه.

قال الله: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ} [الحج:٢١] فتضربه الملائكة بالمقمعة فيعود يأكل خوفاً من المقمعة، وإذا أكل أول لقمة لا يريد الثانية {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات:٦٦].

ثم يقول الله عز وجل: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:١٥ - ١٦] ما قال: يشربه، قال: (يسقى) يبنى هنا الفعل المجهول يشرب يسقى يغصب عليه {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:١٦] قيح ودم يتجرعه، لماذا يتجرعه؟ بالقوة {وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:١٧] ما يقدر يشربه، من الذي يشرب قيحاً ودماً؟ والله لو وضع أمامك كوباً قد ملئ قيحاً ودماً وواحد على رقبتك بالسيف يقول: اشرب أو السيف، والله تنقطع رقبتك ولا تشرب، لماذا؟ لأنك لو حاولت، وأخذت أول شربة كادت تخرج كبدك ورئتك وقلبك وتموت، فكيف بثانية وثالثة ورابعة؟ فكيف بالذي يشرب طوال حياته قيحاً ودماً وصديداً في النار؟ هل بلغ في تصورنا هذا -يا إخواني- أم أننا نتكلم عن أساطير، والله إنه كلام الله، فلا نقول كلاماً من عندنا، أين عقولنا؟! هل آمنا حقيقة بالجنة والنار؟! والله لو آمنا بالنار حقيقة ما كان هذا وضعنا، الذين آمنوا بالنار حقيقة حتى رأوها رأي العين حتى تغيرت حياتهم، يدخل الواحد في الإسلام ويتغير كل شيء في حياته، يقلب حياته رأساً على عقب على منهج الله، أما الدين البارد والإحساس المتبلد بحيث يسمع قرع وعذاب النار ولا يهمه، وكأن النار أعدت لغيره، لا.

ما أعدت إلا لنا للناس {وَقُودُهَا النَّاسُ} [التحريم:٦] لا البقر ولا الشجر، لا حول ولا قوة إلا بالله!! وهناك نوع آخر اسمه الضريع، يقول الله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:٦] وما هذا؟ هذا -والعياذ بالله- {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٧] كلما أكل وإذا به جائع، أنت تأكل من أجل ماذا؟ من أجل الألم والحرقة التي تعاني منها في بطنك، فتأكل طعاماً فتسكت المعدة، لكن هذا الطعام إذا دخل في البطن لا يغني من جوع، ولا يسمنك، ولا تنتظر منه فائدة، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٦ - ٧] ما هو الضريع؟ الضريع: هو شجر من شوك تأكله الإبل، نسميه نحن في الجنوب (شبرم) لا أدري ماذا تسمونه أنتم هنا، شجر ينبت في الصحراء ولكن فيه دوائر كبيرة، وهذه الدوائر مزروعة شوكاً لا يقدر أحد أن يقرب منه ولا حتى من شوكة واحدة منه، لكن الإبل أعطاها الله قدرة عليه، يأتي البعير يفتح فمه ويأكله؛ لأن فم البعير من الداخل شديد الجلد، يكسر الشوك ويمضغه، كذلك هذا الضريع، لكن هنا أخضر وهناك من نار وفيه شوك، إذا أكل لا يسمن ولا يغني من جوع، نعوذ بالله وإياكم منه.

أما الشراب، فقد ذكرناه وهو الحميم والصديد والغسلين؛ والغسلين هو: ما يخرج من فروج الزانيات والزناة، يجمع في أواني من نار ويقدم شراباً لأهل جهنم، والعياذ بالله.

ثم ذكر الله الطعام والشراب بقوله عز وجل: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:١٢ - ١٣] ذا غصة: لا ينزل إذا وصل للحلق يبس.

{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩] يغاثوا بماء: أي: كالقيح والدم، يشوي الوجوه: إذا وصل الإناء إلى فمه سقطت فروة وجهه في الإناء {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:٢٩].

ويقول: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:١٦ - ١٧] ويقول: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] والعياذ بالله.