[قاعدة: الأثر يدل على المؤثر]
فالأثر يدل على المؤثر، البدوي الأعرابي الذكي يقول: سماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ تزخر، ونجومٌ تزحف -هذه كلها عوالم تلفت النظر، ويقول- الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟!! فأنت بالأثر تستطيع أن تصل إلى الإيمان بحقيقة المؤثر، ولذا هذه الغرفة الآن مليئة بهواء (الأكسجين) ولو أخرجت ورقة من جيبي الآن أمامكم فأنفخها هكذا فتتحرك، لكنكم لا ترون شيئاً خرج من فمي، مدفع حركها، أو عصا خرجت من فمي وقالت لها هكذا، شيء تحرك، هل رأيتم شيئاً خرج من فمي؟ خرج هواء، هناك تيار هوائي لكن لا ترونه بالعين، كيف رأيتموه؟ رأيتموه بأثر حركته على الورقة، نأخذ من هذا قاعدة: أن كل شيء لا ندركه بأعيننا لا ينبغي لنا أن نكذِّب بوجوده، وإذا قلنا: إنه غير موجود فقد ألغينا عقولنا.
الآن يوجد جبل ظمك، وفي زاوية من زوايا هذا الجبل وتحت صخرة من الصخرات هناك مجموعة من النمل، أو لا يمكن هذا؟ لكن لما قلت لكم ذلك: قام واحد من الإخوة الآن وجاء وفتح الستار وتلفت، هل نظرت جبل ظمك؟ قال: نعم.
قلت: سوف ترى ذرة تحت حجر هناك.
قال: كذاب.
لا يوجد، أين الذرة؟ أين النملة هذه؟ يا أخي! أنت لا تراها من هنا، إن كنت تريد أن تراها فاركب سيارة واطلع الجبل وانظرها.
قال: أريد أن أراها من هنا.
نقول: لعينك البصرية مجال وقدوة الرؤية عندها محدودة؛ لأن الله خلق الإنسان وأعطى لكل عضو وجارحة قدرة معينة، فمثلاً: بطنك له قدرة في الأكل، إذا وردت على الطعام فإنك تأكل حتى تشبع، لكن إذا شبعت والطعام جيد وبقيت أصناف من الطعام ما قد عممت عليها ونفسك تقول لك: لا تفوتك، لكن بطنك امتلأت، ماذا تفعل؟ غصباً، تضغط على بطنك، وإذا فعلت ذلك وضغطت على بطنك غصباً، يحصل عندك عسر هضم، وتقعد مريضاً شهراً وأنت تدور على المستشفيات تشتكي من بطنك، لماذا؟ لأنك أنت الذي خربت بطنك؛ لأن لبطنك قدرة معينة على الأكل، عندما أطعمتها فوق طاقتها لم تقدر.
كذلك عضلة رجلك لها قدرة على أن تقف وقتاً معيناً، لكن إذا أوقفتها أربعين ساعة سقطت، كذلك أعضاؤك، سمعك هذا له قدرة على السماع من مسافة، لكن عندما تمر وهناك شخص يصيح على مسافة ٢ أو ٣كيلو فينقطع صوته فإن أذنك لا تسمع؛ لأن مجال قدرة أذنك على السماع محدودة، عينك كذلك محدودة.
كل جارحة فيك لا تستطيع أن تلم بكل شيء، وإذا لم تر بعينك هذا الشيء؛ لضعف في إمكانات عينك وقدراتك أنت، فلا يعني هذا أن هذا الشيء غير موجود.
ولذا فالذي يقول: إنه ليس هناك شيء بعد هذه الحياة، نقول له: ما أدراك أنه ليس هناك شيء؟ قال: لأني لم أنظر إلى شيء، نقول له: حسناً، والذي لا تنظر إليه ما تؤمن به.
قال: أجل.
قلت: كذاب، عقليتك فاسدة، وهناك شيء يسألنا بنفس السؤال يقول: لماذا جئنا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ هذه الثلاثة الأسئلة المحيرة لا يمكن أن تجيب عليها البشرية من عند أنفسها، لا بد أن تكون الإجابة من قوة خارجة عن الإنسانية، والبشرية هي التي جاءت بالإنسان، وهي التي تتوفى الإنسان، وهي التي تقلب الإنسان إلى عالم آخر.