إن الحياة الزوجية لا بد أن يحصل فيها من المشاكل شيء؛ لأن التطابق الكامل (١٠٠%) بين الرجل والمرأة مستحيل ولا يوجد، فلا بد أن يبقى شيء من الاختلاف، حتى في أكرم بيت على وجه الأرض، بيت النبوة بيت الرسالة، ومع الزوج المثالي -صلوات الله وسلامه عليه- مربي الإنسانية والبشرية كلها، كان يحصل في بيته ومن بعض أزواجه بعض الأخطاء، ولكن ما كان يصعدها بل كان يحتويها ويقضي عليها في مهدها.
قد حدث في يوم من الأيام خلاف بسيط بينه وبين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فذهبت إلى أبيها، فجاء أبو بكر ليصلح الشأن، شأنه شأن الآباء الصالحين الذين يحتوون المشاكل ولا يصعدونها، فلما أراد أن يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويبين المشكلة استعجلت عائشة رضي الله عنها وقالت:[أقسم عليك بالله ألا تقول إلا الحق] تقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يتوقع أن الرسول يقول غير الحق حتى تقسمين عليه؟! فقد استعجلت من باب ضعفها وعجلة النساء، فغضب أبو بكر لهذا الكلام وقام عليها فلطمها في وجهها، قال:[يا عدوة نفسها! أويقول رسول الله غير الحق؟!] هل يقول غير الحق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقامت من الضربة ولاذت بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسيت الخلاف بينها وبين الرسول فلاذت تحتمي بالرسول، فمنع صلى الله عليه وسلم أباها وقال له:(ما لهذا دعوناك يا أبا بكر) يقول: دعوناك من أجل أن تصلح وليس من أجل أن تضرب، وانتهت المشكلة، فالمشاكل تحصل، والتي تتصور من النساء أن الحياة الزوجية ليس فيها مشاكل هذه مخطئة وبالتالي سوف تفشل، وأكثر ما يقع الفشل في بداية الحياة الزوجية، إذ تستعجل بعض النساء بمجرد أنها ذهبت مع زوجها وبدأت تتمارى معه فتستنكر بعض التصرفات تظهر لها بعض الأخلاق فكانت هي تحلم بشخص مثالي فتصاب بصدمة وبردة فعل، وبالتالي تقول: أنا كنت أتصور أنك وأتصور أنك وإذا بك كذا، ثم تذهب إلى أهلها فتشتكي، فيقول لها أهلها: اقعدي، وتطلق بعضهم من الشهر الأول، وهذا من الأخطاء الشائعة.
فلا بد من الصبر، ولا بد من إعطاء المسألة زمناً؛ لأن العامل الزمني عامل مهم -أيها الإخوة- أنت الآن إذا كنت مسافراً وقدمت لك وجبة الطعام وتريد أن تأكل وموعد الطيارة قريب هل بإمكانك أن تأكل السفرة كلها في لقمة واحدة؟ ما رأيكم في شخص قال: والله أنا مستعجل وأخذ الرز على فمه وصبه كله، كم يدخل في بطنه؟ لقمة، والبقية أين تذهب؟ على ثوبه وعلى وجهه، ما أكل شيئاً، لماذا؟ هذا الصحن يحتاج إلى ربع ساعة تأكله، وأنت مستعجل ما دخل في فمك إلا لقمة والباقي ذهب كله إلى الخارج، كذلك الحياة الزوجية تحتاج إلى عامل الزمن، أعطها فرصة، وأعطيه فرصة حتى يحصل انسجام؛ لأنك سوف تنكرين عليه حتى في قضية النوم، يمكن لما ينام تنظرين فيه وهو نائم: ما هذه النومة؟ إنها ليست جيدة، لماذا؟ لأنك جديدة لم تأتلفي معه، أو قد يشخر لأن بعض الأزواج مبتلى بالشخير وهي كانت تنام في بيتها لا يُشخر فيه أحد، وهو رجل من حين بدأ ينام وهو يشخر، قالت: أزعجنا هذا، نقول: اصبري قليلاً وبعد ذلك لا تنامين إلا على الشخير، يصبح الشخير هذا مثل الموسيقى عند رأسك، إذا لم تسمعيه لا يأتيك النوم.
كذلك تناول الطعام، قد يأكل الرجل بيده بينما هي تتناول الطعام طول حياتها بالملعقة وأخوها يتناول بالملعقة، لكن زوجها تعود أن يأكل بيده، فتستغرب من طريقة أكله بيده، فنقول لها: اصبري قليلاً فستأكلين بيديك مثله، وهكذا أيها النساء! لا بد من الصبر في قضية الحكم على الزوج بالصلاح أو بعدمه.
ولذا تشاهدون -أيها الإخوة- أن الزواج الذي يمر بالسنة الأولى غالباً يكتب له النجاح، فيمر عليه سنتان أو ثلاث من النجاح فيتجاوز فترة التجربة والخطر، وبعد ذلك إذا جاء ولد أو بنت فإن ذلك مدعاة إلى الاستقرار والثبات.
لكن بعض الرجال يحكم على امرأته وهي ليس معها شيء، فيتعامل معها بشدة وقسوة وشتم، فيتحكم ويضرب من أول أسبوع ومن أول شهر، فتفشل الحياة الزوجية، وهي أيضاً تتعامل معه من أول أسبوع فيكرهها وتفشل الحياة الزوجية، فالمبالغة في طلب الكمال في الرجل أو في المرأة هذا من الأخطاء الشائعة.
فنقول لأخواتنا في الله: لا تبالغن واقنعن بما رزقكن الله سبحانه وتعالى، فلعل في ذلك خيرٌ كبير تحمدينه في مستقبل أيامك إن شاء الله.
وكم تلقيت من الاتصالات من كثير من الفتيات يتأسفن على حياتهن الأولى مع أزواجٍ طلقوهن، لأنهن استعجلن في الحكم على أزواجهن وطالبن بالطلاق، وبعد ذلك بقيت فترة طويلة عند أهلها وهي مطلقة مرفوضة، ثم تزوجت وتجري مقارنة بين ذاك الذي ما رضيت به وبين الجديد الذي جاء، وإذا بينهما مثلما بين السماء والأرض، تقول: ليتني صبرت على قسمي الأول، لكن رفضت، فعلى الإنسان أن يصبر على نصيبه الأول، فقد يكون فيه الخير، فالاستعجال في الرفض وطلب الطلاق خطأ.