[الهم الأخروي يورث قناعة في القلب]
قال: (من أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله) أي: يسر له أموره، لا يسير في طريق إلا وربنا ييسرها له، كل أمر ييسره الله له لماذا؟ لأنه جعل همه الله، وجعل همه الآخرة فقضى الله عنه دنياه وشئون دنياه.
(جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه) يقول في الحديث: (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) فقد تجد إنساناً فقير نفس وهو مليونير، وتجد غني نفس وهو فقير ليس عنده ريال واحد لكن اسأله عن حاله يقول: في نعمة والحمد لله، ولو سألته: هل معك في جيبك شيء؟ قال: ليس عندي شيء، ولكن عندي فضل الله، وأنا معافى، وآمن، ومتزوج، ومعي أطفال، ومعي البيت الذي يكفيني أنا وأولادي، معنا رزقنا الذي ييسره الله، الحمد لله على كل حال، وهذا هو الغني حقيقةً (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس).
شكا رجل إلى أحد الصالحين قال له: إني أشكو إليك قلة المال، وضياع العيال، وليس عندي شيء.
قال له: أتبيعني عينك؟ قال: لا.
قال: أتبيعني إياها بمائة ألف دينار؟ قال: لا.
والله لو أعطيتني مليوناً، والله لو أعطيتني الدنيا من أولها إلى آخرها ما أبيعها.
قال: حسناً معك عينان بعني واحدة فقط.
قال: لا.
لا أقبل في واحدة منها شيئاً.
قال: أتبيعني أذنك؟ قال: لا.
قال: أعطيك فيها مائة ألف دينار.
قال: والله لا أعطيك.
قال: واحدة لك وواحدة بعها.
قال: لا أبيعك شيئاً.
قال: أتبيعني لسانك؟ قال: لا.
قال: أتبيعني شفة من شفتيك؟ قال: لا.
قال: أتبيعني يدك.
قال: لا المهم عدد له النعم فكانت بقيمة مليون.
قال: كيف تشكو الفقر وعندك سلع قيمتها مليون ريال؟ بالله الذي عنده هذه السلع فقير؟! والله ليس فقيراً {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:٨ - ٩].
الآن من فضل الله ورحمته حينما خلق الله للإنسان هذه الأجهزة زوده من كل جهاز مهم وضروري للإنسان ونافع اثنان لي يكون هناك احتياط، فإذا تعطلت عين عملت الأخرى، وإذا تعطلت أذن كأن تنحرف الطبلة بقيت الأخرى تعمل وكذلك الشفتان والأسنان واليدان والرجلان، لكن الأشياء الضارة والتي منها خراب كثير والتي تدخل صاحبها النار واحدة فقط.
خلق الله للإنسان فماً ولساناً، فما رأيك لو أن شخصاً معه لسانين؟ كان والله لا يدخل الجنة -استغفر الله- لأن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج، والآن الشخص معه فرج واحد ولا يستطيع أن يضبط نفسه فكيف لو معه اثنان؟! لأحرق الدنيا بشهوته، فالنافع جعله اثنين اثنين، والضار جعله واحداً، وبعد ذلك أمر الله أن تضبط هذا الواحد، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة) ويقول في الحديث -والحديث في جامع السيوطي وهو صحيح- يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا تزوج العبد أو المرء فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) كثير من الشراح يعرف معنى هذا الحديث إلا أن بعضهم وهو ابن القيم رحمه الله إنسان متخصص في معرفة مقاصد الشرع ومعرفة أسرار الحديث النبوي فيقول: إن الحديث يقول: (إذا تزوج العبد بقي نصف دينه) بقي النصف الثاني ما هو؟ الدين حفظه على شيئين: نصف حفظ الفرج، ونصف حفظ اللسان، فإذا تزوجت استكملت نصف الدين، يعني: حفظت فرجك، فاتق الله في النصف الثاني -في لسانك- لأن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج.
قال: (وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة) أجل.