للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علامة المحبة الخامسة: حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم]

والخامسة: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله امتحن الناس بهذه الآية فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:٣١] فهذه علامة محبة الله وهي: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا امتحان، يقول ابن عباس: [امتحن الله العباد بهذه الآية] اختبرهم بها فقال: قل إن كنتم تدعون وتزعمون أنكم تحبون الله، ماذا؟ ((فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران:٣١]، فانظر أين أنت من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأين أنت من هديه، وطبعاً الرسول صلى الله عليه وسلم سنته واضحة بين أيدينا الآن، والله ما من خير إلا دل الأمة عليه، ولا من شر إلا حذر الأمة منه، وما من أمر إلا وهو معلوم عندنا، كيف كان صلوات الله وسلامه عليه، ينام ويستيقظ ويسير في الشارع، ويأكل، ويدخل الخلاء ويخرج منه، ويلبس، ويتكلم كل هديه موجود في السنة، وأعظم كتاب أدلكم عليه للتزود منه هو: (زاد المعاد في هدي خير العباد) صلوات الله وسلامه عليه لـ ابن القيم، أي: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، هديه في العقيدة، والعبادة، والسلوك، والمعاملات، والآداب، هديه في كل شيء موجود في هذا الكتاب.

فإذا اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم وسرت على هديه ورفعت رأسك بسنته فأنت ممن يحب الله عز وجل والله يحبك، وإن كنت ترفع رأسك بشيء غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فاعلم أنك لا تحب الله، ولا الله يحبك أيها الإنسان! هذه الخمس علامات وأعيدها: أولاً: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم، يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم، من توفرت فيه هذه الخمس الصفات، فليعم أن الله يحبه؛ لأن الله قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] ما صفاتهم يا ربي؟! قال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤] وقال في الآية الأخرى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١].

فمن توفرت فيه هذه الخمس الصفات فقد أحبه الله عز وجل وليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت ويدخله الله دار الأحباب؛ لأن من أحبه الله لم يعذبه.

بالله عليك! هل تستطيع أن تعذب حبيبك، فلذة كبدك ولدك؟ من الآباء من يدعو على ولده، ومن الأمهات من تدعو على ولدها وهذا مخالف للشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا على آبائكم، ولا أبنائكم ولا أموالكم فقد توافقون ساعة إجابة) تجد الأب يدعو على ولده، افرض أنك قلت الكلمة واستجاب الله لك.

يمكن أن توافق الدعوة وقت إجابة، ثم أصابه ربي نتيجة الدعوة فمن الذي سوف يصاب مع ولدك؟ أنت، فكأنك دعوت على نفسك، فبدل أن تدعو عليه، قل: اللهم أصلحه، اللهم اهده، الكلمة الطيبة صدقة، وبدل أن تقول: اللهم دمره، قل: اللهم أصلحه، اللهم سدده، اللهم وفقه؛ لأن الولد إذا سمعك تدعو عليه، عرف أنك عدو، فقال: الله أكبر على والدي، كلما فعلت شيئاً دعا عليّ، فيبادلك الشعور بالكراهية، لكن حين يسمعك ولدك وأنت تقول: اللهم اهده، اللهم وفقه، عرف أنك تحبه؛ لأنك تدعو له، ولا تدعو عليه، ولهذا لا تدعوا على أبنائكم، فأنت مهما دعوت على ولدك لا تحب أن يناله مكروه.

ولهذا في غزوة بني ثقيف، لما فصل الرجال عن النساء من السبي والأسرى، وهاج الناس، فامرأة من الناس أضاعت رضيعاً لها، ولما جاء السبي قامت تبحث بين الأطفال وبين الأولاد، فلما أن وجدته ورأته أخذته وغارت عليه في غاية العطف والحنان، ثم ألصقته بثديها، وحنت عليه وجلست تبكي عليه؛ لأنها بعد المعركة وبعد الحرب ما وجدته إلا بعد تعب، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم هذه؟ قالوا: نعم.

يا رسول الله! قال: هل ترونها تلقي ولدها في النار؟ قالوا: لا.

يا رسول الله! قال: والله إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها) الله رحيم بالعباد تبارك وتعالى، ولا يعذب من يحب، ولكن الذي يبغضه الله يعذبه.

الذي يبغضه الله؛ -لأنه أبغض الله- يعذبه الله عز وجل، فتعرض يا أخي لمحبة الله عز وجل.