للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا "أنت الأول فليس قبلك شيء" يناسب قوله "كان الله ولا شيء قبله". وقد بُسِط الكلام على هذا الحديث وغيره في غير هذا الموضع (١).

والمقصود هنا الكلام على ما يظنه بعض الناس من الإجماعات. فهذا اللفظ ليس في كتاب الله، وهذا الحديث لو كان نصًّا فيما ذكر فليس هو متواترًا، فكم من حديث صحيح ومعناه فيه نزاع كثير، فكيف ومقصود الحديث غير ما ذكر. ولا نعرف هذه العبارة عن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فكيف يُدَّعَى فيها الإجماعُ ويُدَّعَى الإجماعُ على كفر من خالف ذلك؟ ولكن الإجماع المعلوم هو ما علمت الأمة أن الله بيَّنه في القرآن، وهو أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، كما أخبر الله بذلك في القرآن في غير موضع (٢). فإذا ادَّعى المدَّعي الإجماعَ على هذا وتكفيرِ من خالف هذا كان قولُه متوجِّهًا. وليس في خبر الله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ما ينفي وجودَ مخلوقٍ قبلهما، ولا ينفي أنه خلقهما من مادةٍ كانت قبلهما، كما أنه أخبر أنه خلق الإنسان وخلق الجنّ، وإنما خلق الإنسان من مادَّة وهي الصلصال كالفخَّار، وخلق الجانّ من مارج من نار، فكيف وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف الذي لا يُعلَم فيه نزاع أن الله لما خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان عرشُه على الماء قبل ذلك، فكان العرشُ موجودًا قبل ذلك، وكان الماء موجودًا قبل ذلك.


(١) للمؤلف كتاب مستقل في شرح هذا الحديث، وهو ضمن "مجموع الفتاوى" (١٨/ ٢١٠ - ٢٤٣).
(٢) في سبعة مواضع أولها في سورة الأعراف: ٥٤.