فصلٌ: قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني أيضًا - رضي الله عنه -:
قال الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: ٣٦ - ٤٣].
فإنه ــ سبحانه ــ جمَع في هذه الآيات أصول الدِّين الجامع للأخلاق الإسلامية, فبدأ بذكر الإيمان, ثم بترك ما نهى عنه, ثم بفعل ما أمر به؛ فاجتمع فيه الإيمان والعمل الصالح.
فبدأ بذكر الإيمان وأن توكُّلهم على ربهم؛ لما قدَّمنا غير مرَّة من الجمع بين العبادة والاستعانة والتوكل والإنابة (١).
وهنا خصَّ التوكل بالذكر لوجهين:
أحدهما: أنه السببُ الموجبُ للإيمان وغيره من المطالب, كما قيل:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥].
(١) انظر: "التدمرية" (٢٣١) , و"النبوات" (٣٧٧) , و"مجموع الفتاوى" (١/ ٣٦, ٥٥, ٦٩, ٧٤, ٣/ ١٢٣, ٧/ ١٦٣, ١٠/ ١٧٦, ١٩٤, ٢٨٤, ٥٥٠, ١٦/ ٥٥).