للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا يُهدَى سُبُلَ الله.

وهذا مجرب في سائر المحبوبات، فكل من أحب شيئًا محبة شديدة ولَّد له شدةُ المحبة طُرقَ تحصيل المحبوب، وطُرقَ المعرفة به. وكذلك من أبغض شيئًا بغضًا شديدًا، ولَّد لهُ شدةُ البغضِ طُرُقَ دفعه وإزالته، ولهذا يُقال: الحبُّ يَفتِقُ الحيلة، كما يُقال: الحاجة تَفِتقُ الحيلة. فإن المحتاج محبّ لما احتاج إليه محبةً شديدة.

وإنما يُوقع النفوسَ في القبائح الجهلُ والحاجةُ، فأما العالم بقبح القبيح الغني عنه فلا يفعله، قال الله تعالى: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)) (١)، وقد قال في ضد هؤلاء: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)) (٢)، فبيّن أن اتباع الهوى يُضلّ عن سبيل الله، فمن اتبع ما تهواه نفسه أضلّ عن سبيل الله، فإنه لا يكون الله هو المقصود، ولا المقصود الحق الذي يوصل إلى الله، فلا قَصَد الحق، ولا ما يوصل إلى الحق، بل قصد ما يهواه من حيث هو يهواه، فتكون نفسه في الحقيقة هي مقصوده، فيكون كأنه يعبد نفسه، ومن يعبد نفسه فقد ضلّ عن سبيل الله قطعًا، فإن الله ليس هو نفسه.

ولهذا لما كان حقيقة قول الاتحادية: إن الرب تعالى هو العَالَم نفسه، لا يميزون بين الرب الخالق وبين المخلوق المربوب، بل كل


(١) سورة الشورى: ١٣.
(٢) سورة ص: ٢٦.