منها طائفة قَبلتِ الماءَ، فأَنْبتتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكثيرَ، وكانت منها طائفة أمسكتِ الماء فسَقى الناس وزرعوا، وكانت منها طائفة إنما هي قِيْعَانٌ/ لا تُمسِك ماءً، ولا تُنبتُ كَلأً. فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في دينِ اللهِ، ونَفَعَه ما بَعثنَي اللهُ به مَن الهدى والعلم، ومَثلُ مَنْ لم يَرْفع بذلك رأسًا، ولم يَقْبَل هُدَى الله الذي أُرسِلْتُ به".
فقد بَيَّن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّ مثل ما أرسلَه اللهُ به كالماءِ، والماءُ مختلف باختلاف المحلّ الذي يَصِلُ إليه، فهكذا ما بعثَ الله به رسولَه يَختلِفُ أثرُه باختلاف القلوب التي يَصِلُ إليها، فكما أنَّ الزرعَ يَحصُلُ من الماء ومن التُّربةِ الطيبة، فهكذا الهدى، يَحْصُلُ من هداية الأنبياء ومن القلوب القابلة لذلك.
فإذا كان هذا حال الرسل مع من يخاطبه الرسول ويكلِّمه ويَحرِص على هُداه، لا يَقدِر على جعل الضال مهتديًا، فكيف يُجعَل شخص دون الرُّسُل بكثير يَهدي الخَلْقَ كلهم، لا سمعوا كلامَه ولا رأوه، ولا عرفوه ولا عرفوا ما قال؟ وهل هذا إلاّ من جنس قول الرافضة في المنتظَر الذي لم يَسمَعْ له أحدٌ بحِسٍّ ولا بخَبَرٍ، ولا وَقَعَ له على عَيْنٍ ولا أثرٍ.
وفي الجملة فما يقوم بقلب الإنسانِ من معرفة الهدى والعلم والإيمان، لا ينتقل عنه ويقوم بغيره، ولكن قد يقومُ بغيرِه (١) إذا علَّمه وخاطبه، مع بقاء الهدى والعلم في قلب الأوّل. ولهذا يُشَبَّه