للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن إهداء ثواب القُرَب إلى موتى المؤمنين جائز، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل المؤمنين، ولَا ريبَ أن الصدقة عن الميت جائزة باتفاق العلماء، وكذلك سائر العبادات المالية، هان تنازع الأئمة في العبادات البدنية كالصلاة والصيام والقراءة، فمنهم من سَوَّى بين النوعين كأحمد، وهو المذكور في كتب الحنفية، وذهب إليه طائفة مِن أصحاب مالك والشافعي، ولكن أكثر أصحاب مالك والشافعي فرَّقوا بين العبادات البدنية والمالية، لأن المالية يدخلها النيابة والتوكيل، فيجوز للرجل أن يَستنيبَ في صدقتِه، ولا يجوز له أن يستنيبَ في صلاته وصيامه.

والأولون أجابوا عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن النيابة في العبادات البدنية تجوز للحاجة، كما ثبتَ في الصحيحين (١) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من مات وعليه صيامٌ صامَ عنه ولله"، ولكن فرض الصلاة لا نيابة فيه، لأن الإنسان لا يَعجز عما وجب من الصلاة، فلا عذرَ له في (٢)، والصوم له بَدَلٌ وهو الإطعام، كما قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (٣)، فلما نُسِخَ ذلك وتعيَّنَ الصيامُ على القادر بقي العاجزُ كالشيخِ الذي لا يُرجَى قدرتُه والمريضِ المأيوسِ من بُزْيه، فإنه يُفطِر باتفاق العلماء، وأكثرهم


(١) البخاري (١٩٥٢) ومسلم (١١٤٧) عن عائشة.
(٢) هنا كلمة مطموسة في الأصل.
(٣) سورة البقرة: ١٨٤.