فكان في ذلك دَفعُ أمور كثيرة بغيضة إلى الله بإلزام أمور أقل منها، ولمّا رأى أنهم لا ينتهون إلاّ بذلك فَعَلَ ذلك.
وكان عمر ينهى عن التحليل ويقول: لا أُوتَى بمحلِّل ومحلَّل له إلاّ رجمتُهما، فلو رأى عمر أن إيقاع الثلاث يُفضِي إلى التحليل الذي حرَّمه الله ورسولُه وإلى كثرته العظيمة لم يَنْهَ عنه، لعلمِه بأن القول بأن الثلاث لا تقع إلاّ واحدة خير من التحليل، وأن المفسدة في التحليل أضعاف المفسدة في أن يتكلموا بالثلاث فلا يقع بهم إلاّ واحدة. فمتى دارَ الأمر بين أن تقع الثلاثُ ويحلل، وبين أن لا تقع الثلاث، كان أن لا يقع أولى. ولا يرتاب في هذا من نوَّر الله قلبَه بالإيمان، فإن التحليل فيه شرٌّ كبيرٌ ليس في عدمِ إيقاع الثلاث جملةً منها شيء.
وكان نكاح التحليل قليلاً جدًّا في زمن الصحابة، ولهذا سُئِلوا عنه في وقائعَ مخصوصة، وقال عمر بن الخطاب: لا أُوتَى بمحلِّل ولا محلَّل له إلاّ رجمتُهما. وقد لعنَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلِّلَ والمحلَّلَ له (١).
ولم يكن على عهده من يُظاهِرُ بذلك، لكن قد يكون من يفعل ذلك باطنًا ومن يقصده، فلعنَه كما لعنَ آكلَ الربا ومُوكِله وشاهدَيْه وكاتبَه، لتنزجر النفوسُ بذلك عن قصد التحليل، فلا يقع منه شيء لوجهين: أحدهما: لتتمَّ عقوبة الله للمطلّق الذي طلَّق الثالثةَ بعد طلقتين، فلا يَقصِد أحدٌ إعادةَ امرأتِه إليه، فينزجر بذلك عن إيقاع الثلاث مفرقة.
(١) أخرجه أحمد (١/ ٤٤٨،٤٦٢) والدارمي (٢٢٦٣) والترمذي (١١٢٠) والنسائي (٦/ ١٤٩) عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد (٢/ ٣٢٣) عن أبي هريرة، وأخرجه ابن ماجه (١٩٣٤) عن ابن عباس، وفي الباب عن آخرين، وهو حديث صحيح. انظر "إرواء الغليل" (١٨٩٧).