للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١). فمدح الأنصار بأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون، أي لا يجدون في أنفسهم طلبًا لما أنعمه الله عليهم، بل نفوسهم غنية، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الغِنَى عن كثرة العَرَضِ، وإنما الغِنَى غِنَى النفس" (٢). والحاسد والحريصُ أنفُسُهم فقيرة محتاجة لا غِنًى فيها، فالحاسد شر من البخيل، والمحسن إلى الناس أفضل من المستغني الذي لا يُحسِنُ. ولهذا جاء في الحديث (٣): "الصدقة تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ، والحسدُ يأكُلُ الحسناتِ كما تأكُلُ النارُ الحطبَ".

والحسدُ يكون على المال والجاهِ جميعًا، كما قد يكون على الدين والعلم، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} (٤)، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (٥). وإذا أحب أن يحصل له من الخير الذي حَبَاه الله تعالى مثلما حصل لغيره من غير زوال تلك النعمة عنه، فهذا غبطة، ويُسمَّى حسدًا لكنه حسن. كما في الصحيحين (٦) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه


(١) سورة الحشر: ٩.
(٢) أخرجه البخاري (٦٤٤٦) ومسلم (١٠٥١) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه ابن ماجه (٤٢١٠) عن أنى. وفي الباب عن معاذ بن جبل وجابر وغيرهما.
(٤) سورة النساء: ٥٤.
(٥) سورة البقرة: ١٠٩.
(٦) البخاري (٧١٤١) ومسلم (٨١٦) عن ابن مسعود.