للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العُلَا ما يَدُلُّ على تنزُّهِه عن أفعالٍ مذمومة، ولا عن اتخاذِه ولدًا، ولا عن أمرِه بأن يُشْرَكَ به. وخالفوا قولَه: (قَالُوا أتَّخَذَ الله وَلَدًا سبحانه) (١)، وقالوا: إنه يجوز أن يأمر بالفحشاء والمنكر، وقالوا: لا يُنَزَّهُ قَطُّ عن فعل من الأفعال، ولا أمر من الأمور، وإنْ كان أمرًا بالشركِ والكذِب والظلم، وإن كان نهيًا عن الصدق والعدل والتوحيد، ولا يميز بين ماَ يفعلُه وما لا يفعلُه إلاّ بما جَرتْ به العادةُ، مع أنّ العاداتِ يمكنُ خَرْقُها، أو أخبار الأنبياء، مع أنّ خبرهم عند طائفةٍ منهم لا يُفيد اليقينَ، وخبرهم بالوعدِ والوعيد عند أكثرهم لا يُعلَمُ منه شيء. ويقولون: إنه يَخلُق ما يَخلُق لا لسببٍ ولا لحكمةٍ. وهذا قول الجهمية الجبرية ومَن اتبعهم من المتأخرين.

والطائفتان تقولانِ: إن القادرَ يُرجح أحدَ المتماثلَينِ لا لمرجِّحٍ، لكن هؤلاء يجعلون فعلَه كلَّه كذلك، وأولئك يجعلونه كذلك في الابتداء. وقد ذهب إلى كل من القولين طوائفُ من أعيانِ الناس، وإن كان القولانِ ضعيفينِ (٢).

والقول الثالث ما دلَّ عليه الكتابُ والسنَّة، وكان عليه سلفُ الأمّة وأئمَّتُها، كالأئمة الأربعة وغيرهم: إنه سبحانَه عليم حكيم رحيم، وإنّه كتبَ على نفسِه الرحمةَ كما أخبرَ في كتابه (٣)، وحَرَّم على نفسه الظلم، كما ثبتَ في الحديث الصحيح الإلهي عن أبي ذرّ الغِفَاري (٤) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يُخبِر به عن ربه عزَّ وجلَّ أنه قال: "يا عبادي، إني


(١) سورة يونس: ٦٨.
(٢) في الأصل: "ضعيفان".
(٣) سورة الأنعام: ١٢.
(٤) أخرجه مسلم (٢٥٧٧).