للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت تضرُّ صاحبَ الحديقة، لما طلب من صاحبها المعاوضة عنها بعدة طرق، فلم يفعل، فقال: "إنما أنت مُضارّ" (١) ثم أمرَ بقَلْعِها.

فدلَّ ذلك على أن الضرار محرم لا يجوز تمكين صاحبه منه، فعلى الإنسان أن يكون مقصودُه نفع الخلق، والإحسان إليهم مطلقا، وهذا هو الرحمة التي بُعث بها محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)) (٢)، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"إنما أنا رحمة مُهدَاةٌ" (٣).

والرحمة يحصل بها نفع العباد، فعلى العبد أن يقصد الرحمة والإحسان والنفع، لكن للاحتياج إلى دفع الظلم شُرعت العقوبات، وعلى المقيم لها أن يقصد بها النفع والإحسان، كما يقصد الوالد بعقوبة ولده، والطبيب بدواء المريض.

والمقصود بهذه النكتة أن الدين والشرع لم يأمر إلا بما هو نفع وإحسان ورحمة للعباد، وأن المؤمن عليه أن يقصد ذلك ويريده، فيكون مقصوده الإحسان إلى الخلق ونفعهم. واذا لم يحصل ذلك إلا بالإضرار ببعضهم فَعَلَه على نية أن يدفع به ما هو شرٌّ منه، أو يحصل به


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٣٦) من حديث سمرة بن جندب. قال المنذري في "مختصر السنن" (٥/ ٢٤٠): في سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر، وقد نُقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه منه، وقيل فيه ما يمكن معه السماع منه. والله أعلم.
(٢) سورة الأنبياء: ١٥٧.
(٣) أخرجه الطبراني في الصغير (١/ ٩٥) والحاكم في المستدرك (١/ ٣٥) والقضاعي في مسند الشهاب (١١٦٠) من حديث أبي هريرة. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.