للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذنب أيسرُ من التماسِ التوبة (١)، وقيل: رُبَّ شهوةِ ساعةٍ أورثَتْ حُزْنًا طويلًا. ولكن فعل التوبة والحسنات الماحية قد تُوجِب من الثواب أعظمَ من ثوابِ ترك الذنب أولًا، فيكون ألمُ التائب أشدَّ من ألم التارك إذا استويا من جميع الوجوه، وثوابُه أكثر. وكذلك ما يُكفِّر الله به الخطايا من المصائب مرارتُه تزيد على حلاوة المعاصي. وتارةً تكون اللذات بغير معصية من العبد، لكن عليه أن يطيع اللهَ فيها فيعصيه فيها بتركِ مأمورِه وفعل محظورِه فيما يُؤتاه العبدُ من المالِ والسلطان، ومن المآكل والمناكح التي ليست بمحرمة.

والله سبحانه أمر مع أكل الطيبات بالشكر، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢]، وفي صحيح مسلم (٢) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال: «إنّ الله لَيَرضى عن العبد أن يأكلَ الأكْلةَ فيحمده عليها، ويَشربَ الشَّربةَ فيحمدَه عليها». وفي الأثر: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر». رواه ابن ماجه (٣) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ


(١) نُقل نحو ذلك عن شفي الأصبحي، انظر: حلية الأولياء (٥/ ١٦٧).
(٢) برقم (٢٧٣٤) عن أنس بن مالك.
(٣) برقم (١٧٦٤). وأخرجه أيضًا أحمد (٢/ ٢٨٣) والترمذي (٢٤٨٦) وابن حبان (٣١٥) والحاكم في المستدرك (١/ ٤٢٢، ٤٢٣) عن أبي هريرة. وقال الترمذي: حسن غريب. والحديث صحيح لطرقه وشواهده، انظر: تعليق المحقق على صحيح ابن حبان.