للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قولُ طوائف ــ أيضًا ــ من أهل العلم (١)، وهو الصواب (٢)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان قصدُه مجرَّد صوم الخمسة لم يذكر الصَّوم المشتمل على أكثر من ثلاثمئة وخمسين يومًا ويريد به كراهة صوم خمسةٍ فقط؛ فإن اللفظ لا يحتمل هذا لا حقيقةً ولا مجازًا.

ولأن تلك الخمسة نُهِي عن صومها لمعنًى يخصُّها، سواءٌ صام غيرَها أو أفطره؛ فلو صامها شخصٌ وأفطر ما سواها نُهِي عن ذلك وإن لم يَصُم الدَّهر، ولو أفطرها لم يُنْهَ على هذا التقدير وإن صام سائر الدَّهر؛ فعُلِمَ أن صوم سائر الدَّهر لا تأثير له في المنع.

وأيضًا، فإن هذه حرم صومها لكونها أيام العيد، ولم يقل في من صامها: "لا صام ولا أفطر"، وصوم الدَّهر قال فيه: "لا صام ولا أفطر".

وأيضًا، فإن هذه قَرَنها بقيام الليل كلِّه، وبقراءة القرآن على ثلاث، وقَرَنها بصيام ثلثي الزمان وثلثه وشطره؛ فعُلِمَ أنه أراد استيعاب الزمان بالصيام، لا صوم خمسةٍ منه. وهذا ظاهرٌ في حديث عبد الله بن عمرو، وحديث أبي قتادة (٣)، ونحوهما.

وأما من استحبَّ صوم الدَّهر على أفضل الصيامِ صيامِ داود، فهو مقابلةٌ لصريح السُّنَّة بالرأي؛ فلا يُلتفَتُ إليه.

وعلى هذا التقرير، فصومُ الدَّهر هل هو تركُ الأولى أو هو مكروهٌ يُنهى


(١) انظر: "تهذيب الآثار" (٣٠٥، ٣١٩ - مسند عمر)، و"المغني" (٤/ ٤٣٠).
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٢/ ٣٠٢)، و"الاختيارات" لابن عبد الهادي (٤٥).
(٣) تقدم تخريج حديث أبي قتادة، وسيأتي حديث ابن عمرو بعد قليل.