للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليمانيين، لأن المشركين كانوا بقُعَيْقِعَانَ جَبَلِ المروةِ ينظرون إليهم (١). ثمَّ إنه لما حَجِّ اضطَبَعَ ورَمَلَ من الحجر الأسود إلى الحجرِ الأسود، فجعلَ ذلك شرْعًا لأمتِه. فبيَّن عمرُ أنه لو لم يُشْرَع ذلك لما فَعَلْناه، لزوالِ السببِ الذي أوجبَه إذْ ذاك.

ومعلوم أن مكَّةَ -شرَّفَها الله- فيها شَعَائرُ الله، وفيها بيتُه الذي أوجبَ الحجَّ إليه، وأمرَ الناسَ باستقباله في صلاتهم، وحَرَّم صَيْدَه ونباتَه، وأثبتَ له من الفضائل والخصائص ما لم يثبتْه لشيء من البقاع.

وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكة: "والله إنكِ لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضَ الله إلى الله -وفي رواية: وأحبُّ أرضِ الله إليَّ-، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ لما خَرَجتُ" (٢). قال الترمذي: حديث صحيح.

فإذا كان الله لم يَشرع أن يتمسَّح إلا بالركنين اليمانيينِ لكونهما على قواعدِ إبراهيم، ويُقبَّل الحجر الأسود لكونه بمنزلة يمين الله في الأرض (٣)، فلا يُقبَّل سائرُ جُدرانِ الكعبة، ولا يُقَبَّل مقامُ إبراهيم الذي هناك ولا يتمسَّح به، ولا يُقبَّل مقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان يُصلي فيه ولا يُتَمسَّح به، ولا يُقبَّل قَبرُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يتمسَّح به= فمعلوم أن


(١) كما في رواية ابن عباس المعلقة عند البخاري (٤٢٥٦)، ووصلها الإسماعيلي كما ذكر الحافظ في "الفتح" (٧/ ٥١٠).
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٣٠٥) والترمذي (٣٩٢٥) وابن ماجه (٣١٠٨) من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(٣) أخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (٢/ ٩٦) وعبد الرزاق في المصنف (٥/ ٣٩).
موقوفًا على ابن عباس، وهو صحيح عنه. ويُروى مرفوعًا عن جابر وغيره، ولا يثبت رفعُه. انظر "الضعيفة" (٢٢٣) و"جامع المسائل" (١٣/ ٦٣).