للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالواجب أن ما شهد الدليلُ الشرعي بوجوبه أو تحريمه أو إباحتِه عُمِل به، ثم يُعامَل الرجال والأموالُ بما تُوجِبُه الشريعةُ، فيُعفَى عما عَفَتْ عنه، وإن تضمن تركَ واجبٍ أو فعلَ محرَّمٍ، ويثنَى على ما أثنت عليه، وإن كان فيه سيئات ومفاسد مرجوحة. وهذه المشتبهات في الأقوال والأعمالِ والأموالِ داخلة في الحديث الذي هو أحد مباني الإسلام، حديث النعمان بن بشير المشهور في الصحاح (١) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الحلال بَيِّن والحرام بيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يَعلمهنَّ كثير من الناس، فمن تَرك الشُّبُهاتِ استبرأ لدينه وعِرضِه، ومن وقع في الشبهاتِ وَقَعَ في الحرام، كالراعي يَرعَى حولَ الحِمَى يُوشك أن يَقَع فيه، ألا وإن لكلِّ مَلِكٍ حِمىً، وإن حِمَى الله محارمُه. أَلا وإن في الجسد مُضْغَةً إذا صَلحَتْ صَلَحَ لها سائر الجَسَد، وإذا فَسَدتْ فَسَدَ لها سائر الجسد، ألا وهي القلب".

فإنه ضمن هذا الحديث الأكل والشرب من الطيبات والعمل الصالح، كما أمر به في قوله: (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) (٢)، إذ أمر به المرسلين والمؤمنين، كما في حديث أبي هريرة المخرج في صحيح مسلم (٣). وذكر فعل المعروف وترك المنكر الذي هو صلاح القلب والجسد والحلال والحرام، كما قال: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (٤).


(١) البخاري (٥٢ ومواضع أخرى) ومسلم (١٥٩٩).
(٢) سورة المؤمنون: ٥١.
(٣) برقم (١٠١٥).
(٤) سورة الأعراف: ١٥٧.