للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

مما يُبيّن أن طريقة أتباع الأنبياء من أهل السنة هي الموصلة إلى الحق دون طريقة من خالفهم من الفلاسفة والمتكلمين: أن المقصود هو العلم، وطريقه هو الدليل، والأنبياء جاءوا بالإثبات المفصل والنفي المجمل، كإثبات الصفات لله مفصلة، ونفي الكفؤ عنه.

والفلاسفة يجيئون بالنفي المفصل: ليس بكذا ولا كذا، فإذا جاء الإثبات أثبتوا وجودًا مجملاً، واضطربوا في أول مقامات ثبوته، وهو أن وجوده هو عين ذاته أو صفة ذاتية لها أو عرضية؟ ونحو ذلك من النزاعات الذهنية اللفظية.

ومعلوم أن النفي لا وجود له، ولا يعلم النفي والعدم إلا بعد العلم بالثبوت والوجود، حتى إن طائفة من المتكلمين نفوا العلم بالمعدوم إلا إذا جعل شيئًا، لأن العلم ــ زعموا ــ لابد أن يتعلق بشيء. والتحقيق أن العلم بالعدم يحصل بواسطة العلم بالموجود، فإذا علمنا أنه لا إلاه إلا الله تصورنا إلهًا موجودًا، وعلمنا عدم ما تصورناه إلا عن الله.

وكذلك سائر ما ننفيه لابد أن نتصوره أولاً ثم ننفيه، ولا نتصوره إلا بعد تصور شيء موجود، ثم نتصور ما يشابهه، أو ما يتركب من أجزائه، كتصور بحر زئبق وجبل ياقوت وآلهة متعددة ونحو ذلك، ثم ننفيه، وإلا فتصور معدوم مبتدع لا يناسب الموجودات بوجهٍ لا يمكن العقلَ