ما يُوجِب طمأنينةَ قلبه وانشراحَ صدره، بما يفعله من الأعمال الصالحة، وله من الطمأنينة وقرة العين ما لا يمكن وصفُه. وهو مع عجزه أيضًا له من أنواع الإرادات الصالحة والعلوم النافعة التي يتنعم بها ما لا يمكن وصفُه، وكلُّ هذا محسوسٌ مجرَّبٌ. وإنما يقع غلطُ أكثر الناسِ لأنه قد أحسَّ بظاهرٍ من لذات أهل الفجور وذاقَها، ولم يذق لذاتِ أهل البرّ (١) ولم يُحِسَّها، ولكن أكثر الناس جُهَّالٌ لا يسمعون ولا يعقلون.
وهذا الجهل لعدم شهود حقيقة الإيمان ووجودِ حلاوته وذوقِ طعمِه انضمَّ إليه أيضًا جَهْلُ كثير من المتكلمين في العلم بحقيقة ما في أمر الله من المصلحة والمنفعة، وما في خلقه أيضًا لعبده المؤمن من المنفعة والمصلحة، فاجتمع الجهلُ بما أخبر الله به من خلقِه وأمرِه، وبما أشهدَه الله عبادَه من موجودِه، فكان هذا الجهلُ مع ما في النفوس من الظلم مانعًا للنفوس عن عظيم نعمة الله وكرامته ورضوانِه، مُوقِعًا لها في بأسِه وعذابه وسخطه.
وذلك أن الناس لما خاضوا في مسألة القدر، ولِمَ يخلُق الله ولِمَ يأمُر؟ ونحوِ ذلك، بغير هدًى من الله الذي أنزله إليهم، فرَّقوا دينَهم وكانوا شِيَعًا:
فزعم فريقٌ منهم أنه لا يخلق أحدًا من الأشخاص إلا لأجل مصلحة المخلوق، ولا يأمره إلا لأن أمره مصلحةٌ له أيضًا، وإنما العبدُ