للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو صَرَفَ عن نفسه مصلحة نفسِه، وفعلَ مفسدة نفسِه، بغير قدرة الربّ وبغير مشيئته. وهم إنما قصدوا بها تنزيهَ الربّ (١) سبحانه وتعالى عن الظلم والعبث، ووصفَه بالحكمة والعدل والإحسان، لكن سلبوه علمَه وقدرتَه وكتابَه وخلقَه ونفوذَ مشيئته وعمومَها، فقال قوم منهم: إنه لم يعلم فلم يكتب ما يكون من العباد حتى فعلوه. وقال آخرون: بل علمَ ذلك، وعلم أنهم لا يطيعونه ولا يفعلون إلا ما يضرُّهم، ومع هذا فقصد تعريفَهم بالخلق والأمر للمنفعة الخالصة الدائمة.

فقال لهم الناس: مَن عَلِمَ أن مقصوده من الخير لا يكون، وقد سعى في حصوله بمنتهى قدرته، كان من أجهلِ الفاعلين وأسفههم، فنزّهوه عن قليلٍ من السفه بالتزام ما هو أكبر منه، وزعموا أنه لا يقدر إلا على ما فعلَ بهم، فسَلَبوه قدرتَه.

فردَّ على هؤلاء طائفةٌ من أهل الإثبات، فأثبتوا عمومَ قدرتِه وعمومَ مشيئتِه وخلقِه وعلمِه القديم، وكل هذا خيرٌ موافق للكتاب والسنة، وهذا من تمام الإيمان بالقدر، بعلم الله القديم ومشيئتِه وخلقِه لكل شيء وقدرتِه. لكن ضمُّوا إلى ذلك أشياءَ ليست من السنة، فإنه من السنة أنه يفعل ما يشاء ويحكمُ ما يريد، وأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأنه يأمر العباد بطاعته، ومع هذا فهو يَهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء، كما قال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥].


(١) في المتن: البارئ، والمثبت من هامشه.