وأيضًا فهذا وَسَطٌ بين الغريمين، فإن الغريم المدين ينهى أن يسقط عنه الزيادة، وهذا عنده غاية السعادة، وذلك لا ينهى أن يبقى له ما قبض، وقد عفا الله عما مضى. وأما تكليف هذا إعادة القرض فذلك مثل مطالبة الغريم بما بقي، وكلاهما فيه شططٌ وشدَّةٌ عظيمة، فهذا هذا. والله أعلم.
فصلٌ في الربا
قد تدبّرتُ مرَّاتٍ عَوْدًا على بدءٍ، وما فيه من النصوص والمعاني والآثار، فتبيَّن لي ــ ولا حول ولا قوة إلا بالله ــ بعد استخارة الله أن أصل الربا هو الإنْسَاء، مثل أن يبيع الدراهم إلى أجلٍ بأكثر منها، ومنها أن يؤخر دينه ويزيد في المال. وهذا هو الربا الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية. وقد سُئِل أحمد بن حنبل عن الربا الذي لا شك فيه، فذكر هذا، وهو أن يكون له دَينٌ فيقول له: أتَقضِي أم تُربِي؟ فإن لم يَقضِه زاده في المال، وزاده هذا في الأجل، فيربو المال على المحتاج من غير نفع حصل له، ويزيد مال المربي من غير نفع حصل منه للمسلمين. فهذا حرَّمَه الله تعالى؛ لأن فيه ضررًا على المحاويج، وفيه أكل المال بالباطل.
وقد كان من العلماء المشهورين في زماننا غير واحدٍ يقولون: لا نعرف حِكَمَ تحريم الربا، وذلك أنهم نظروا في جملة ما يحرم، فلم يروا فيه مفسدةً ظاهرة. والتحقيق أن الربا نوعان: جلي وخفي، فالجليّ حُرِّمَ لما فيه من الضرر والظلم، والخفيّ حُرِّمَ لأنه ذريعة إلى الجلي.