للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قال الفقهاء: يُستحَبُّ الاستسقاءُ بأهلِ الصلاح والدين، والأولى أن يكونوا من أهلِ بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اقتداءً بعمرَ لما استسقَى بالعبّاس. ولو كان توسُّلُهم في حياتِه هو إقسامًا به على الله وتوسُّلاً بذاتِه من غيرِ أن يدعُوَ لهم، لأمكنَ ذلك بعدَ مماتِه، ولكانَ توسُّلهم به أولَى من توسُّلِهم بالعباس. ولكن إنما كانوا يتوسَّلون بدعائه، كما ثبتَ ذلك في الصحاح أنهم توسَّلُوا في الاستسقاء بدعائه. وفي صحيح البخاري (١) عن ابن عمر قال: ربّما ذكرتُ قولَ الشاعر:

وأبيضُ يُسْتَسْقَى الغمامُ بوجهِه ... ثِمَالُ اليتامَى عِصْمَةٌ للأرامِلِ

ولم يقل أحد من المسلمين إنهم كانوا في حياتِه يُقسِمُون به ويتوسَّلون بذاتِه، بل حديثُ الأعمى الذي رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وغيرهم (٢)، ألفاظُه صريحة في أن الأعمى إنما توسلَ بدعاءِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما قد بسطت ألفاظه في موضع


= والتاريخ (٢/ ٣٨٠) عن سليم بن عامر، وصححه الحافظ في "الإصابة" (٣/ ٦٧٣). وفي طبقات ابن سعد (٧/ ٤٤٤): أُخبِرتُ عن أبي اليمان عن صفوان بن عمرو عن سليم، فذكره. وانظر "البداية والنهاية" (١٢/ ١٦١).
(١) برقم (١٠٠٩). والبيت من قصيدة أبي طالب التي أوردها ابن هشام في "السيرة" (١/ ٢٧٢ - ٢٨٠)، ثم قال: هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٣٨) والترمذي (٣٥٧٨) والنسائي في عمل اليوم والليلة (٦٥٨، ٦٥٩) وابن ماجه (١٣٨٥) وابن خزيمة (١٢١٩) وغيرهم من حديث عثمان بن حنيف، وصححه الترمذي والحاكم (١/ ٣١٣، ٥١٩) وغيرهما.