قال فيهم:{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}[المرسلات: ١]، وهم الملائكة في أشهر القولين، وهم رُسُل اللهِ في تنفيذ أوامرِه الكونية والدينية، والعالَمُ كلُّه قائمٌ بأمرِ اللهِ الكوني، كما أن الدياناتِ كلَّها قائمة بأمر الله الديني.
وهذا الأصل وإن كانت سورة البقرة تضمَّنته فكذلك كثير من السور بل أكثرها، مثل سورة آل عمران التي قال في أولها: {الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [آل عمران: ١ - ٤]. وذكر في أثنائها ما ذكر من الإيمان بالله ورسله، ثم ختمها بمثل ذلك في قوله:{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[آل عمران: ١٩٩].
والفرق بين سورتي البقرة وآل عمران أن البقرة جامعة لتقرير جنس الرسالة على الكافرين، ولتقرير رسالة محمد وأصول شريعته على مَن كفر به مِن أهل الكتاب. وأما آل عمران فالمقصود الأكبر فيها تقرير رسالته على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وكذلك سورة الأعراف أيضًا، مقصودها الأكبر تقرير الكتاب والرسالة، جنس ذلك وعينه، وذلك بيِّنٌ فيها، وكذلك سورة يونس وهود والرعد وإبراهيم والحجر وسبحان والأنبياء وآل طسم وآل حم ويونس والحديد وغير ذلك من السور.