للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فينبغي للمؤمن الذي يَقصِد وجهَ الله إذا أراد اللهَ يُثيبُه ويَرحمُ ميتَه أن يتصدق عنه، ويقصد بذلك من ينتفع بالمال على مصلحةٍ عامة من أهل القرآن ونحوهم، ولا يشترط عليهم إهداء القرآن إلى الميت ولا قراءته عند القبر ونحو ذلك مما يُخرِج العمل عن أن يكون خالصًا لله أو أن يكون غير مشروع، فإن في الصحيحين (١) عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنّ أمّي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمتْ تصدَّقَتْ، فهلْ لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم. وفي البخاري (٢) عن ابن عباس أن سعد بن عبادة توفيتْ أمُّه وهو غائبٌ عنها، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسولَ الله! إن أمّي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أُشهِدك أنّ حائطِي المخراف صدقة عنها.

وأما الاجتماع يومَ الثالث والسابع وتمام الشهر والحول ونحو ذلك على ما ذكره فهو بدعة مكروهة من وجوه، أحدها: أن إنشاد الشعر الفراقي في المأتم من النياحة، وكذلك كلُّ ما فيه تهييج المصيبة، وكذلك الذين يتسمون الوعّاظ، وإنما هم نوَّاحون. وإذا كان النساء قد نُهِينَ عن ذلك مع ضعفِ قلوبهن فكيف بالرجال؟ مع أن النساء يُباحُ لهنّ من الغناء وضرب الدفّ مالا يباح للرجال، إلا ترى أنه رخّص فيما لا يمكن دفعُه من دمع العين وحُزنِ القلب، والنساءُ نُهِينَ عن الأسباب المهيجة للنياحة من اتباع الجنائز وزيارة القبور سدًّا للذريعة، بخلاف الرجال، فإنهم لقوة قلوبهم لم يُنهَوا عن ذلك.


(١) البخاري (٢٧٦٠) ومسلم (١٠٠٤).
(٢) بأرقام (٢٧٥٦، ٢٧٦٢، ٢٧٧٠).