للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَستحِبُّه، فهذا فوَّتَ نفسَه هذه الفضيلة. وذهابُه محمولاً مع الجنّ أو غيرهم في الهواء ليطوفَ ليس من الأعمال الصالحة المشروعة، لا واجبًا ولا مستحبًّا، ولو كان ذلك مشروعًا لكان الأنبياء أقدرَ على ذلك، وكانوا يذهبون في الهواء يَحجُّون، وهذا لم يُعرَف عن أحدٍ من الأنبياء ولا الصحابة، والأنبياء أفضل الخلق، والصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء، ولو كان عملاً صالحًا لكان هؤلاء أحق به من غيرِهم.

ونبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أُسرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليُرِيَه الله من آياته بالمعراج، كما قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)) (١). فالمقصود كان أن يُرِيَه الله من آياتِه، كما أراه ليلةَ المعراج ما أراه من الآيات. قال تعالى: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)) (٢). وقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (٣).

وفي الصحيح (٤) عن ابن عباس قال: هي رؤيا عَينٍ أُريَها رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ أُسرِيَ به. ولهذا كان قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) دليلاً في المعراج الذي كان بعد المَسْرَى إلى المسجد الأقصى، لم يكن المقصود مجردَ رؤية الأقصى، فإنه قد رآه المسلم والكافر والبَرُّ والفاجر، ولكن هو سبحانَه أخبر بذلك ليكون هذا آيةً للرسول، فإنهم قد رأوا


(١) سورة الإسراء: ١.
(٢) سورة النجم: ١٢ - ١٨.
(٣) سورة الإسراء: ٦٠.
(٤) البخاري (٣٨٨٨، ٤٧١٦، ٦٦١٣).