بل كان حدوث هذه الأمور في الأمة بحسب ما حدث من النقص، فكان التابعون أنقص من الصحابة، فظهر فيهم من الصَّعْق والموت ما ظهر.
كما أنَّ بني إسرائيل أنقصُ من هذه الأمة، فلهذا لم يُذْكَر عنهم من ذلك أمور.
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أكمل من موسى، وقد عُرِج به - صلى الله عليه وسلم - إلى الملكوت الأعلى، وأراه الله من آياته الكبرى ما أراه، وأصبح كبائتٍ. وموسى - صلى الله عليه وسلم - لما صار الجبل دكًّا خرَّ صَعِقًا.
وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - لما رأى جبرائيل أوّل مرّة أصابه ما أصابه، ولما رآه نزلةً أخرى عند سِدْرة المنتهى لم يُصِبه ما أصابه أول مرة.
وأما ما كان يعتريه عند نزول الوحي، فلم يكن في ذلك تغيّب عقله، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، ولهذا لم يكن يتوضأ من النوم، ولمن يكن يغتسل ويتوضأ بعد نزول الوحي.
ولما غُشي عليه في مرضه اغتسل مرّةً بعد مرة، فكان يغتسل في إغمائه الذي أصابه بالمرض، ولا يغتسل من هذه الأمور؛ إذ لم يكن فيها إغماء ولا مغيب عقل. بل هو عند تلقّي الوحي أكمل ما يكون عقلًا، وإن كان ضعيفًا منهوك البدن (١).
وإذا كان في منامه لا ينام قلبه مع أن غيبه [ق ٧] الظاهر هو فيه كغيره في المنام، فكيف ينام قلبه عند نزول الوحي عليه، وبه يتلقّى الوحي النازل عليه.
(١) في الأصل: "مفتونًا مهثرف" ولعل الصواب ما أثبت أو نحوه.