وتعظيم لدين محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا يختارون مخالفته ولا الخروج عن دينه وشريعته، والتبست عليهم هذه الأحوال الشيطانية، فظنّوها كراماتِ الأولياء، وأن من يحصل له من هذه الأحوال يكون من أولياء الله المتقين. ولو أنهم علموا أنها مخالفة لأمر الله ورسولِه لم يدخلوا فيها، لكن جهلوا ذلك، فهؤلاء ضُلَّال.
ومن أكابر هؤلاء من تحمله الشياطين وتذهب به عشيةَ عرفةَ إلى عرفات، وتَرجِع به في تلك الليلة، وهو لم يُحرِم ولم يُلَبِّ ولم يَطُفْ بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ولم يُفِضْ إلى مزدلفة ولا رَمَى الجمار، بل ويَقِفُ بعرفات بثيابه. ومعلومٌ أن هذا ليس من العبادات التي يحبها الله ورسولُه، بل قد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعرفةَ قومًا عليهم الثياب فطلبَ عقوبتَهم. وهذا بمنزلة من حَملتْه الشياطين إلى الجامع، فصلَّى مع الناس بلا وضوء أو إلى غيرِ القبلة.
ولو كان هؤلاء عالمين بدين محمد - صلى الله عليه وسلم - مُتّبِعِين له لعلموا أن هذا الحملَ إلى عرفات على هذا الوجه من أحوال الشياطين، لا من كرامات أولياء الله المتقين. وبسط الكلام في هذا الباب وما فيه من الخطأ والصواب، والفرق بين كرامات أولياء الله المتقين وبين أحوال أتباع الشياطين (١)، لا يتسع له هذا الجواب.
وإذا كان كذلك فهؤلاء تجب استتابتُهم وعقوبةُ من لم يَتُبْ منهم،
(١) انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان للمؤلف.