جعل الله له ما سلف. ويدل على أن ذلك ثابت في حق المسلم ما بعد هذا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}، فأمرهم بترك ما بقي، ولم يأمرهم بردِّ ما قبضوه، فدلَّ على أنه لهم مع قوله:{فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، والله يقبل التوبة عن عباده.
فإذا قيل: هذا مختص بالكافرين.
قيل: ليس في القرآن ما يدلُّ على ذلك، إنما قال:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}، وهذا يتناول المسلم بطريق الأولى. وعائشة قد أدخلت فيه المسلمَ في قصة زيد بن أرقم لما قالت لأم ولده: بئسَ ما شريتِ، وبئسَ ما اشتريتِ، أخبري زيدًا أنه قد حَبِطَ جهادُه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب. فقالت: يا أم المؤمنين، أرأيتِ إن لم آخذ إلا رأسَ مالي؟ فقالت عائشة:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}(١).
بل قد يقال: إن هذا يتناول مَن كان يعلم التحريم إذا جاءته موعظة من ربه فانتهى، فإن الله يغفر لمن تاب بتوبته، فيكون ما مضى من الفعل وجوده كعدمه، والآية تتناوله:{فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}، ويدل على ذلك قوله بعد هذا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ
(١) أخرجه الدارقطني (٣/ ٥٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٣٣٠). قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٦٥١): هذا الأثر مشهور.