للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

المشهور عند أهل السنة القائلين بعدم تخليد الفاسق ورجاء الشفاعة له والرحمة: أنه لا يُحبِطُ العملَ إلّا الكفرُ؛ فإن نصوص القرآن تقتضي حُبُوطَ العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر و ق وغير ذلك. وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصلُ الإيمان، ولابدَّ أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرةٌ من إيمان. وأما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يُقبَل العملُ إلّا به، كما قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: ١٢٤]، {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: ١٩]، إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه.

وأما المعتزلة فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملّي، وأنه لا ينعم أبدًا، وأن من استحق العقابَ لا يستحقُّ ثوابًا بحالٍ، ومن استحقَّ الثوابَ لا يستحق العقاب؛ فالتزموا لذلك أن تَحبَطَ جميعُ الأعمال الصالحة بالفسق، كما تَحبَطُ الأعمالُ بالكفر. ثم أكثرهم يُفسِّقون بالكبيرة، فيقولون: تحبط الأعمال بالكبيرة، ومنهم من لا يُفسِّق إلا برجحان السيئات، وهي التي تُحبِط الأعمال. وهذا أقرب.

قلت: الذي يُنفَى من الإحباط على أصول أهل السنة هو حُبوط جميع الأعمال؛ فإنه لا يَحبَطُ جميعُها إلا بالكفر. وأما الفسق فلا يُحبِط