للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الصورة الروحانية. فما عُبِد غيرُ الله في كلِّ معبود. فالأدنى من تخيَّل فيه الألوهية، والأعلى ما تخيَّل بل قال: هذا مجلًى إلهيٌّ ينبغي تعظيمه، فلا يقتصر. وله من هذا الجنس كلام كثير.

وحدثني ابن سالار عن ابن إسرائيل أن الحريري قال له: مذهبُ من نفَى الصانعَ مذهبٌ صحيح، فأنكرتُ ذلك، فأشارَ إلى أن الصانعَ هو الصنع، فوافقه على ذلك، وأن ابن سالار حكى ذلك للأيكي فاستحسن ذلك جدًّا، وقال له: يا ناصر الدين! من أين لك هذه الفوائد الدقيقة؟ أو كلامًا هذا معناه.

ولهذا كلاهما وطائفتهم تستحسن الغناء الذي يُنبِت النفاقَ في القلب، حتى إنهم يشتغلون به عن الصلوات في مواقيتها، مع أن هذا قد يفعله من عقيدته في التوحيد صحيحة. فأما هؤلاء فاتحاديةٌ في اعتقادهم إباحيَّةٌ في أفعالهم، أخبثُ من شِرار النصارى الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرَّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق. بل هؤلاء القوم أعظم شركًا بالله من النصارى وعبّاد الأصنام، فإن أولئك أشركوا به شيئًا معينًا من مخلوقاته، وهؤلاء أشركوا به كلَّ المخلوقات. وإذا عَبَدُوا الوجود المطلق فهو القدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وعبادة القدر المشترك هو عين الإشراك به، لكن زادوا على إشراك وجود كلِّ ما سواه به أنهم أنكروا حقيقتَه التي هي هو، فجمعوا بين نفيه وجحودِه وبينَ الشرك به كما بينّا.