وهذا القول يوافق قولَ من يقول: ليسوا مخصوصين بقبول التوبة، بل كل من تابَ كما تابوا قَبِلَ اللَّهُ توبتَه. وهو القول الثاني، وهو الصواب؛ لأن الله سبحانه قال: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: ٨٤ - ٨٥]، فأخبر سبحانه أن هذه سنته، وسنته سبحانه لن تجد لها تبديلًا ولن تجد لها تحويلًا، كما قال:{فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر: ٤٣].
وأيضًا فإنه قال:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء: ١٨]. وهذا نفيٌ عامّ، ولو كان أحد مستثنًى من هذا العموم لكانت أمة محمد أحقَّ بالاستثناء من قوم يونس، فإنهم أكرم الأمم على الله، ونبيُّهم نبيّ الرحمة ونبيّ التوبة، وقد وسَّع الله لهم في التوبة ما لم يُوسِّعْه لبني إسرائيل مع كرامة أولئك على الله. وهاتان الأمتان قد فضَّلهما اللهُ على العالمين، فإذا لم يقبل توبة أحدهم إذا حضره الموت فكيف يقبل توبة قوم يونس؟
وأيضًا فإن الله حكيم عدلٌ، لا يُفرِّق بين المتماثلات ولا يُسوِّي بين المختلفات، فلا يُفرِّق بين توبة قوم يونس وغيرهم إلا لافتراقِ العملَينِ، وإلا فمن تابَ مثلَ ما تابوا فحكمهُ حكمُهم، وهم إذا تابوا بعد رؤية البأس فهم كغيرهم.