للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبتم وإلا أصابكم كنَتْقِ الجبل فوق بني إسرائيل، وهذا من أعظم الآيات. قيل لهم: إن أخذتم التوراة وإلّا أطبقناه.

ومما يبيِّن ذلك أن القوم لم يَطُلْ مقامُ يونسَ عندهم، بل حين كذَّبوه وعدَهم بالعذاب كما نقله هؤلاء، ومثل هذا يكون عذابَ تهديد، كما قد يُصيبُ الناسَ من الجدب والجوع ما هو أعظمُ من ذلك، ويُصيبُهم من الوباء والطاعون ما يُصيبهم، والذين عبدوا العجلَ أمرهم الله بقتلِ بعضهم بعضًا وقَبِلَ توبتَهم، ثم بعثَهم من بعد موتهم لعلهم يشكرون. وإنما الذي لا يقبل معه توبة ما يقترن به الموتُ كغرقِ فرعون ونحوه.

وأما استثناء الله قومَ يونس فهو حجة في المسألة، فإنّ الله قال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: ٩٨]، وقوله: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} استثناء منقطع، وهم قد سلموا أنه منقطع، ودليل ذلك أنه منصوب، ولو كان مثبتًا لكان مرفوعًا في اللغة المشهورة، كما في قوله: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦]، فلما قال: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} كان منقطعًا، كالاستثناء في قوله: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: ١١٦]، فإنه منقطع. وكذلك أهل العربية والتفسير قالوا (١): هو استثناء منقطع، والمعنى: لكن قليل ممن أنجينا


(١) انظر: زاد المسير (٤/ ١٧٠) وتفسير القرطبي (٩/ ١١٣).