يُؤثِرُ أن لا يكون عليه سلطانٌ إلّا لله ولرسوله ولمن أطاع الله ورسوله، وقبولُ مالِ الناس فيه سلطانٌ لهم عليه، فإذا قَصَدَ دفعَ هذا السلطانِ وهذا القهر عن نفسه كان حسنًا محمودًا، يصحُّ له دينُه بذلك، وإن قصدَ الترفعَ عليهم والترؤُّس والمراآة بالحال الأولى كان مذمومًا. وقد يقصد بترك الأخذ غِنَى نفسِه عنهم وترك أموالهم لهم.
فهذه أربع مقاصد صالحة: غِنى نفسه وعزَّتها، حتى لا يفتقر إلى الخلق ولا يذلَّ لهم، وسلامة مالهم ودينهم، [فكما](١) يتألفون بالعطاء لهم، فكذلك في إبقاء أموالهم، وقد يكون في ذلك أيضًا حفظُ دينهم، فإنهم إذا قُبِل منهم المالُ قد يطمعون هم أيضًا في أنواعٍ من المعاصي ويتركون أنواعًا من الطاعات، فلا يقبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي ذلك منافع ومقاصد أخرى صالحة، حتى لا ينقص عليهم أموالهم، فلا يُذهِبُها عنهم ولا يوقعهم بأخذها منهم فيما يُكْرَه لهم من الاستيلاء عليه، ففي ذلك منفعة له أن لا يذلَّ ولا يفتقر إليهم، ومنفعةٌ لهم أن يبقَى لهم مالُهم ودينُهم. وقد يكون في ذلك منفعة تأليف قلوبهم بإبقاء أموالهم هم حتى يقبلوا.
وأما إذا كان الأخذ يُفضِي إلى طمعٍ فيه حتى يُعاوِنه في معصية أو يمنع من طاعة، فتلك مفاسد أخرى، وهي كثيرة ترجع إلى ذلهِ وفقرِه لهم، فإنهم لا يتمكنون من منعِه من طاعة إلَّا إذا كان ذليلًا لهم أو فقيرًا