للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورسوله، وهذا يقوله من ينظر إلى مجرد ما يقدره الله ويقضيه، ويشهد الحقيقة الكونية، مُعرِضًا عمّا يحبُّه الله ويرضاه، وما أمر به ونهى عنه، وبَعثَ به رسلَه وأنزلَ به كُتبَه. ومن طَرَدَ هذا القولَ كان أكفرَ من اليهود والنصارى، فإنّ أولئك آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضٍ، وصاحبُ هذا المشهد لا يؤمن بشيء من الكتاب، وغايتُه في شهودِه تحقيقُ توحيد المشركين كأبي لهب وأبي جهل وأمثالهما من الكفار، فإنّ أولئك كانوا يُقِرُّون بأن الله رب كل شيء وخالقُه، كما أخبر الله عنهم بقوله: (وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّن خَلَقَ السَّمَاواَتِ والأَرضَ لَيَقُولُنَ اَللهُ) (١). فمن جَعَل غايةَ تحقيقِه في توحيده أن يشهد ذاك، كان منتهاه هذا الإشراك.

والله سبحانَه بَعث الرسلَ بتوحيد الإلهية، وهو أن لا يعبد إلاّ الله، ولا يخاف إلاّ إياه، ولا يتوكل إلاّ عليه، ويخلص له الدين، ويطيع رسلَه ويتبعهم، ويحبّ ما أحبّ ويُبغِض ما أبغض، ويوالي من والَى ويعادي مَن عادى، ويأمر بما أمر وينهى عما نهى، حتى يكون الدين كله له، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)) (٢)، وقال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً


= وبطلانها، وحكم على من يقول بها أنه ضال غاو، بل كافر يجب أن يستتاب
من ذلك، فإن تاب وإلاّ قُتِل.
(١) سورة لقمان: ٢٥، وسورة الزمر: ٣٨.
(٢) سورة الأنبياء: ٢٥.