للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسأل أن يجعل القرآن ماءً ونورًا لقلبه، فيحيى به قلبُه كما تحيى الأرض بوابل السَّماء، وينوِّر الله به قلبه (١).

والحياة والنور جماعُ الخير، كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: ١٢٢].

ولهذا ضرب الله مثل الإيمان بالماء والنار في قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} الآية [الرعد: ١٧].

وضرب مثل المنافقين بما انطفأ ضوؤه، وبالصيب الذي فيه رعدٌ وبرق، فقال: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} الآية [البقرة: ١٧ - ١٩].

* ثم لما ذكر تحصيلَ الخير ذكر دفعَ الشر، فقال: " وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمِّي"، والفرق بينهما: أن الحزنَ يتعلَّق بالماضي، والهمَّ يتعلَّق بالمستقبل، والغمَّ يتعلَّق بالحاضر (٢).

* وقوله: "ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤك", ردٌّ على طائفتي المعتزلة والجهميَّة، ويدخل في ذلك القدريَّة، ومِن غلاة أهل الإثبات المُجْبِرةُ ونحوهم؛ فإن القدريَّة تنكر أن يقدر الله على تغيير أعمال عباده، أو


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٨/ ٣١٠)، و"جامع المسائل" (٨/ ١٠٦).
(٢) انظر: "شفاء العليل" (٧٥٠)، و"الفوائد" (٣٧)، وما سيأتي (ص: ٢٠٩).