للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسألة في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "أتدري ما حقُّ اللهِ على العباد؟ " (١)، وفي قوله: وما حق العبادِ على الله"، فهل حَقُّهم واجبٌ عليه كما حقُّه واجبٌ عليهم على ظاهرِ اللفظ أم مجازٌ؟.

أجاب شيخ الإسلام بقية السلف الكرام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابنُ تيمية أيَّده الله:

الحمد لله ربّ العالمين. هذه المسألة ونحوُها للناس فيها ثلاثة أقوال، طَرَفانِ ووَسَط (٢):

طائفة تقول: إنّ الله يجب عليه أشياء، ويَحْرُمُ عليه أشياء، بالقياس على المخلوقين، وإنّ العباد بقياسِ عقولهم يُوجِبون عليه ويُحرِّمون عليه، كما يَجبُ على العبادِ ويَحْرُمُ عليهم، فيقولون: يجب عليه أن يَفعَلَ في حقِّ كلِّ عبدٍ ما هو الأصلح له في دينه، ولهم في الصلاح الدنيوي نزاع. ويقولون: إنه لا يَقدِر على أن يفعلَ غيرَ ما فَعَلَ، وإن العبادَ يَقدِرون على مالا يَقدِرُ عليه اللهُ، وإنَّه لا يَقدِرُ أن يَهدِيَ ضالاًّ ولا يُضِلّ مُهتديًا. وهذا قول القدرية من المعتزلة والشيعة وغيرِهم.

والقول الثاني: قول من يقول: إنّ الله سبحانَه وتعالَى لا يُوجبُ هو على نفسِه شيئًا، ولا يُحَرِّمُ على نفسِه شيئًا، ولا يُنَزَّه عن فعلٍ من الأفعال، ويجوز أن يقع منه كل ما هو مقدور، فلا يَقدِرُ أن يَظْلِمَ أحدًا، بل الظلمُ ممتنع لذاته، وإنّه ليس في أسمائه الحسنى وصفاتِه


(١) أخرجه البخاري (٧٣٧٣ ومواضع أخرى) ومسلم (٣٠).
(٢) انظر "مجموع الفتاوى" (١٨/ ١٤٧ وما بعدها).