الواجبَ لم تَبْرَأْ ذِمَّتُه إلا بأدائه، كما يقول كثيرٌ من السلف والخلف من أصحاب أحمد وغيرهم= لم يكن في ذلك تناقض بين أقوال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل ذلك لمن فَهِمَه يَدُلُّه على أن ذلك كلّه جاءَ من عند الله، ولو كان من عندِ غيرِ الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
وكذلك الصلاة بالوضوء والغسل أكملُ من الصلاة بالتيمم، والصلاةُ في الأماكن التي لم يُنه عنها أكمل من الصلاة في مواضع النهي، كالحمام والمقبرة وأَعْطَانِ الإبل. والصلاة في الجماعة أكملُ من صلاة الرجل وحدَه، وفَضْلُ الفاضِل هنا على المفضول أبلغُ من فضلِ صلاة المستحاضة بغسل على صلاتها بغير غُسلٍ، لأن الكمال هنا لاحتمال وجوب الغسل لا للعجز عنه، ولما شكّ في وجوبه جاز تركُه مع القدرة، وما لا يجوز تركُه مع القدرة أولَى مما يجوز تركُه مع القدرة، والمستحبُّ المحضُ دُونَ ذلك.
والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمعَ بين الصلاتين بعرفةَ في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابتٌ بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه، ومعلومٌ أنه قد كان يُمكِنُه أن يتركَ العصرَ فيُصلِّيها في وقتها المختصّ، لكن عَدَلَ عن ذلك إلى أن قدَّمَها مع الظهر لمصلحة تكميلِ الوقوف، لِعلمِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنّ اتّصال الوقوف إلى المغرب بغيرِ قَطْع له بصلاةِ العصر في أثنائِه أحبُّ إلى الله من أن يُصلِّي العصرَ في وقتها الخاصّ، ولو أخَّرَ مؤخِّر العصرَ وصلَاّها في الوقت الخاصّ وقَطَعَ الوقوفَ لأجزأه ذلك فيما ذكره العلماءُ من غيرِ نزاع أعلمه، ولكن تَركَ ما هو أحبُّ إلى الله ورسولهِ، فإنه لو قَطَعَ الدعاءَ والذكرَ لبعض أعمالِه المباحة ووَقَفَ إلى المغرب