للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن إذا أَبْدَوْا معنى يَقتضي التخصيصَ مثلَ الحاجةِ، قيل: هذا يقول به جميعُ الأمّة، بل جميعُ علماء السنّة، مثل إباحة الميتة للمضطر للضرورة، وصلاة المريض قاعداً للحاجة، ونحو ذلك. وإنما يتنازعون إذا لم يظهر في إحدى الصورتين معنًى يُوجِبُ الفرقَ./

ولهذا فسَّر غيرُ واحدٍ الاستحسانَ بتخصيصِ العلَّة، كما ذكر ذلك أبو الحسين البصري (١) والرازي (٢) وغيرهما، وكذلك هو، فإنَ غايةَ الاستحسانِ- الذي يقال فيه: إنه يخالف القياسَ حقيقةً- تخصيصُ العلَّةِ. والمشهور عن أصحاب الشافعي منع تخصيص العلة، وعن أصحاب أبي حنيفة القولُ بتخصيصها (٣)، كالمشهور


(١) قال في المعتمد ٢/ ٨٣٩: "الكلام في الاستحسان على ما فسره أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه يقع في المعنى وفي العبارة. أما في المعنى فهو أن بعض الأمارات قد يكون أقوى من بعض، ويجوز العدول من أمارة إلى أخرى من غير أن تفسد الأخرى، وذلك راجع إلى تخصيص العلة".
(٢) هو أبو بكر الجصاص الذي قال في الفصول في الأصول (ق ٢٩٧/أ- ب): "إن الاستحسان الذي هو تخصيص الحكم مع وجود العلة أنّا متى أوجبنا حكما لمعنى من المعاني قد قامت الدلالة على كونه عَلَما للحكم، وسميناه علة له، فإنّ إجراء ذلك الحكم على المعنى واجب حيث ما وُجِد، إلاّ موضع يقوم الدلالة فيه على أن الحكم غير مستعمل فيه، فرجع مع وجود العلة التي من أجلها وجب الحكم في غيره، فسموا ترك الحكم مع وجود العلة استحسانا".
(٣) قال الجصّاص في الفصول في الأصول (ق ٢٩٩ أ): "تخصيص أحكام العلل الشرعية جائز عند أصحابنا وعند مالك بن أنس، وأباه بشر بن غياث والشافعي، والذي حكيناه من مذهب أصحابنا في ذلك أخذناه=