ولهذا تنازع الفقهاء في المؤدِّب المأذون له في أدبٍ غير مُقدَّر، إذا تَلِف بأدبه، كالزوج إذا ضرب امرأته، والرائض إذا ضرب دابَّته، فقيل: يَضمنُ ذلك كقول الشافعي؛ لأنه يتبيَّنُ بالإتلاف أنه زاد على المأذون.
وقيل: لا يضمن كقول مالك وأحمد؛ لأن القَدْر المأذون فيه ليس محدودًا، بل هو مُوكَلٌ (١) في اجتهاده، فإذا فعل ما اجتهد فيه لم يكن عليه دَرَك، كالمقتصّ.
فقد تبيَّن ضعف قول من يذمُّ هذه الأمور مطلقًا، ويسوِّغها مطلقًا، ويعلم أن الاعتبار في ذلك بأسبابها المأمور بها والمنهيِّ عنها.
ثم نقول في سائغها: ليس هذا لازمًا من لوازم الطريق، كفعل المأمور، وترك المحظور، فضلًا عن [أن] تكون هي الغاية التي تُناقض هذه الأمور وتضادّها مأمورًا به أمرَ إيجاب ولا أمرَ استحباب. فلا يكون من لوازم طريق الله، فإنَّ اللازم لهم إما أن يكون واجبًا أو مستحبًّا. والأحوال التي تكون من لوازم أعمالهم تكون نتيجة واجبٍ أو مستحبٍّ، فما ليس بواجب ولا مستحبّ ولا نتيجة واجب ولا مستحبّ لا يلزمهم أن يفعلوه، ولا يلزمهم وجوده، فلا يكون من لوازم طريق الله وسبيله، ومنهاج القاصدين إليه، ومنازل السائرين إليه.
وإن عَرَض لبعضهم وكان له منزلًا ومقامًا لخصوص حاله؛ لم يقتضِ أن يكون لكل سائرٍ؛ بل ولا هو لازمًا لكلِّ أحد أن يفعله.