الدنيا والآخرة، ولا يتصوَّر شرعٌ فيه صلاح الآخرة دون الدنيا، فإن الآخرة لا تقوم إلا بأعمال في الدنيا مستلزمة لصلاح الدنيا، وصلاحها غير التناول لفضولها.
وإذا تبين أن الإنسان لو فعل ما يريده ويهواه لزم الفساد والضرر المنافي لما يحبه ويرضاه، فإن المحبوب بالقصد الأول هو ما يصلحه وينفعه، فإذا كان فعله ما يهواه يستلزم وقوعَ ما يضره وخلافَ ما يهواه، كان وجود هذا مستلزمًا لضده ونقيضه في العاقبة، فلا يصلح أن يكون ذلك مقصودًا، لما فيه من الضرر والفساد المخالف للمقصود بالقصد الأول، ولأن كونه مقصودًا ينافي كونه مقصودًا، فإنه إذا فعل ما يحبه لمقصوده حصلَ المحبوب، فإذا كان حصول هذا المحبوب يستلزم نفي المحبوب ووقوعَ المكروه صار وجود هذه الغاية المقصودة مستلزمًا نقيضَ هذه الغاية وضدَّها، وما استلزم وجودُه عدمَه ووجودَ ضدِّه امتنع أن يكون علة غائية أو علة فاعلية أو غير ذلك.
كما أن في العلة الفاعلية لو كانت إرادته حادثة بلا فاعل للزم جواز حدوث حادث بلا فاعل، ولو جاز ذلك لجاز أن لا يكون لفعله وغيره من الحوادث فاعل، فيلزم حينئذ جواز حدوث فعله بلا فاعل، فلا يجب أن يكون هو الفاعل له.
ومن قال: إرادته حادثة بلا فاعل، قصد بذلك أن يكون هو المحدث لفعله، فإنه إذا جعل لها فاعلاً، صار ذلك هو الخالق لفعله، فصار ما جعله هو المحدث يستلزم أن لا يكون هو المحدث، فلا يكون صحيحًا.