للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهم يُقْتَلُون، كالرجل يَحْمِلُ وَحْدَهُ على صف الكفَّار ويَدْخُل فيهم، ويُسَمِّي العلماء ذلك الانغماس في العدوّ؛ فإنه يَغِيبُ فيهم كالشيء يَنْغَمِسُ فيه فيما يَغْمُره.

وكذلك الرجل يَقْتُل بعضَ رُؤَساء الكُفار بين أصحابه، مثل أن يَثِب عليه جَهْرة إذا اخْتَلَسَه، ويرى أنه يَقْتُله ويُقتَل (١) بعد ذلك.

والرجل يَنْهزِم أصحابه فيُقاتِل وحده أو هو وطائفةٌ معه العدوَّ، وفي ذلك نِكَاية في العَدو، ولكن يظنُّون أنهم يُقْتَلُون.

فهذا كُلُّه جائزٌ عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرِهم، وليس في ذلك إلا خلاف شاذّ. وأمَّا الأئمة المُتَبّعَون كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد نصُّوا على جواز ذلك. وكذلك هو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما.

ودليلُ ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأئمة.

أما الكتاب فقد قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)) (٢). وقد ذُكِرَ أن سبب نزول هذه الآية أن صُهَيبًا خَرَجَ مُهاجرًا من مكة إلى المدينة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلَحِقَه المشركون وهو وحدَهُ، فنَثَل كِنانتَه، وقال: والله لا يأتي رجلٌ منكم إلا رَمَيْتُه. فأراد قتالهمِ وحدَه، وقال: إنْ أَحْبَبْتُم أنْ تَأخُذوا مالي بمكة فخُذُوه، وأنا أدُلُّكم عليه. ثم قَدِمَ


(١) في الأصل: "يغتفل"، ولعل الصواب ما أثبته أو "يُعتَقل".
(٢) سورة البقرة: ٢٠٧.